التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
-العنكبوت

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جل جلاله: { أَمْ حَسِبَ الذين يعملون السيئات } أي: الشرك والمعاصي وإذاية المسلمين، { أن يسبقونا } أي: يفوتونا، بل يلحقهم الجزاء لا محالة. و"أم": منقطعة، ومعنى الإضراب فيها: أن هذا الحسبان أَبْطَلُ من الحسبان الأول، لأن ذلك يظن أنه لا يُمْتَحَنُ لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يُجَازَى بمساوئه، وشبهته أضعف، ولذلك عقّبه بقوله: { ساءَ ما يحكمون }، أي: بئس ما يحكمون به حكمهم في صفات الله أنه مسبوق، وهو القادر على كل شيء، فالمخصوص محذوف.
ثم ذكر الحامل على الصبر عند الإمتحان، وهو رجاء لقاء الحبيب، فقال: { من كان يرجو لقاء الله } أي: يأمل ثوابه، أو يخاف حسابه، أو ينتظر رؤيته، { فَإِنَّ أَجَلَ الله } المضروب للغاية { لآتٍ } لا محالة. وهو تبشير بأن اللقاء حاصل؛ لأنه لأجل آت، وكل آت قريب. وكل غاية لها انقضاء، فليبادر للعمل الصالح الذي يصدق رجاءه ويحقق أمله. { وهو السميعُ } لما يقوله عباده، { العليمُ } بما يفعلونه، فلا يفوته شيء.
{ ومن جاهَدَ } نفسه، بالصبر على مشاق الطاعات، ورفض الشهوات، وإذاية المخلوقات، وَحَبَسَ النفس على مراقبة الحق في الأنفاس واللحظات، { فإِنما يُجاهدُ لنفسه }؛ لأن منفعة ذلك لها، { إن الله لغنيٌ عن العالمين } وعن طاعاتهم ومجاهدتهم. وإنما أمر ونهي؛ رحمة لهم، ومراعاة لصلاحهم.
{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفّرنَّ عنهم سيئاتهم } أي: الشرك والمعاصي؛ بالإيمان والتوبة، { ولنجزينهم } مع غنانا عنهم، { أحسنَ الذين كانوا يعملون } أي: أحسن جزاء أعمالهم؛ بالفضل والكرم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أم حسب الذين يُنكرون على أوليائي، المنتسبين إليّ، أن يسبقونا؟ بل لا بد أن نعاقبهم في الدنيا والآخرة، إما في الظاهر؛ بمصيبة تنزل بهم، أو في الباطن، وهو أقبح، كقساوة في قلوبهم، أو: كسل في بدنهم، أو: شك في يقينهم، أو: بُعد من ربهم، فإن من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. ثم بشّر المتوجهين الذين يؤذَون في جانبه، بأن لقاءه حاصل لهم إن صبروا، وهو الوصول إلى حضرته، والتنعم بقربه ومشاهدته، جزاء على صبرهم ومجاهدتهم، وهو الغَنِي بالإطلاق.
ثم حذّر من طاعة من يرد عن التوحيد والاخلاص، فقال: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ... }