التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
٢
هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
-لقمان

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { هُدىً ورحمةً }: حالان من الآيات، والعامل: معنى الإشارة. ورفعمها حمزة على الخبر لتلك بعد خبر، أو: خبر عن محذوف، أي: هو، أو: هي هُدى. والموصول: نعت للمحسنين؛ تفسير لإحسانهم، و(هم): مبتدأ، و(يُوقنون): خبر. وتكريره الضمير؛ للتوكيد، ولِمَا حيل بينه وبين خبره.
يقول الحق جل جلاله: { الۤـم }؛ أيها المصطفى المقرب، { تلك } الآيات التي تتلوها هي { آياتُ الكتابِ الحكيم } أي: ذي الحكمة البالغة، أو: الذي أُحكمت آياته وأُتقنت، أو: المحكَم الذي لا ينسخه كتاب. أو: المصون من التغيير والتبديل. حال كونه { هُدىً ورحمةً }؛ هادياً لظواهرهم بتبيين الشرائع، ورحمة لقلوبهم بتبين حقائق الإيمان، ولأرواحهم بإظهار حقائق الإحسان. وقد تقدم هذا البيان في قوله:
{ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ } [المائدة: 93] الآية. ولذلك خصه بقوله: { للمحسنين }، فإنما يكون هدى ورحمة لأهل الإحسان؛ لأنهم هم الذين يغوصون على أسراره ومعانيه. وهم { الذين يقيمون الصلاة }؛ يتقنونها، { ويؤتون الزكاة } على الوجه المشروع، ويدفعونها لمن يستحقها، لا جزاءً ولا شكوراً، ولا لجلب نفع أو دفع شر، { وهم بالآخرة هم يوقنون }، كأنها نُصْبَ أعينهم. وخص بالذكر هذه الثلاثة؛ لفضلها؛ فإن الصلاة عماد الدين، والزكاة قرينتها؛ لأن الأولى عبادة بدنية، والثانية مالية، والآخرة هي دار الجزاء، فلولا وقوعها لكان وجود هذا الخلق عبثاً، وتعالى الله عنه علواً كبيراً.
ثم مدح المتصف بتلك الخصال فقال: { أولئك على هُدىً من ربهم } أي: راكبون على متن الهداية، متمكنون منها، { وأولئك هم المفلحون }، الفائزون بكل مطلوب.
الإشارة: قال القشيري: { الۤـم }، الألف إشارة إلى آلائه، واللام إلى لطفه، والميم إلى مجده وسنائه، فبآلائه دفع الجَحْدَ عن قلوب أوليائه، وبلطف عطائه أثبت المحبةَ في أسرار أصفيائه، وبمجده وسنائه هو مستغنٍ عن جميع خَلْقِه بوصف كبريائه. هـ.
ثم وصف كتابه بأنه هاد للسائرين، رحمة للواصلين؛ إذ لاتكمل الرحمة إلا بشهود الحبيب، يكلمك ويناجيك، وهذه حالة أهل مقام الإحسان. قال القشيري: وشَرْطُ المحْسِنِ أن يكون محسناً إلى عباد الله: دانيهم وقاصيهم، مطيعِهم وعاصيهم. ثم قال: { الذين يُقيمون الصلاة }؛ يأتون بشرائطها في الظاهر - ثم ذكرها -، وفي الباطن يأتون بشروطها؛ من طهارة السَّرَّ عن العلائق، وسَتْرِ عورة الباطن، بتنقيته من العيوب؛ لأن ما كان فيه فالله يراه. فإذا أرَدْتَ أن لا يرى اللهُ عيوبَك فاحْذَرْها حتى لا تكون. والوقوف على مكان طاهر: هو وقوف القلب على الحدِّ الذي أُذن فيه، مما لا يكون فيه دعوى بلا تحقيق، بل رَحِمَ الله مَن وقف عند حدِّه بالمعرفة بالوقت، فيعلم وقت التذلُّل والاستكانة, ويميز بينه وبين وقت السرور والبسط، ويستقبل القبلة بَنْفسِه، ويعلق قلبه بالله، من غير تخصيص بقطْرِِ أو مكان { أولئك على هدى من ربهم }؛ وهم الذين اهتدوا في الدنيا، وسَلِموا ونَجوْا في العُقْبَى. هـ.
ثم شفع بضلّهم فقال: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي... }br>