التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً
٥٢
-الأحزاب

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { لا يَحِلُّ لك النساءُ من بعدُ } أي: من بعد التسع، اللاتي خيرتهن فاخترنك؛ لأن التسع نِصابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن الأربع نِصاب أمته. لَمّا اخترن اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرة قصره الله عليهن، وقيل: هي منسوخة كما يأتي. أو: لا يحلّ لك نساء الأجانب، وإنما لك نساء قرابتك، كبنات عمك، وبنات عماتك، وبنات خالك، وبنات خالاتك، فيحل لك منهن ما شئت، ولو ثلاثمائة، أو أكثر. أو: لا يحل لك النساء من غير المسلمات، كالكتابيات والمشركات. { ولا أن تبدَّل بهنَّ من أزواجٍ } بالطلاق. والمعنى: ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجاً، بكلهن أو بعضهن، كرامةً لهن، وجزاء على ما اخترن ورضين. فقصر رسولَه صلى الله عليه وسلم على التسع اللاتي مات عنهن. وقال أبو هريرة وابن زيد: كانت العرب في الجاهلية يتبادلون بالأزواج، يعطي امرأة هذا أياماً ويأخذ امرأته، فأنزل الله: { ولا أن تبدَّل بهن من أزواج } بأن تُعطي بعض أزواجك وتأخذ بعض أزواجهم، { إِلا ما ملكتْ يمينُك } فلا بأس أن تبادل بجاريتك. و "مِن": لتأكيد النفي؛ ليفيد استغراق جنس الأزواج بالتحريم. { ولو أَعْجَبَكَ حُسْنُهن } أي: حُسْن الأزواج المتبدلة. وقيل: هي أسماء بنت عُميْس، امرأة جعفر بن أبي طالب، فإنها ممن أعجبه حسنهنّ.
وعن عائشة وأم سلمة، (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أَحلَّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء)، يعني أن الآية نُسخت إما بالسُنَّة، أو: بقوله: { إنا أحللنا لك أزواجك } وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف. { إِلا ما ملكت يمينُك } استثناء من النساء؛ لأنه يتناول الأزواج، وقيل: منقطع، أي: لكن ما ملكت يمينك، فيحل لك ما شئت، { وكان الله على كل شيءٍ رقيباً } حافظاً ومُطلعاً. وهو تحذير عن مجاوزة حدوده. والله تعالى أعلم.
الإشارة: مَن نكح أبكار الحقائق العرفانية ودخل بأسرار العلوم اللدنية، لا يحل له أن ينكح ثيبات نساء العلوم الرسمية، ولا أن يتبدل بما عنده من المواهب الربانية، بغيرها من العلوم اللسانية، ولو أعجبك حُسنها ورونقها ـ على الفرض والتقدير ـ إذ التنزُّل إليها بطالة عند المحققين، إلا ما كنت تملكه قبل علم الحقيقة، فلا بأس أن تنزل إلى تعليمه وإفادته، إن توسعت في علم الباطن، وصرت من الأغنياء الكبار، تُنفق كيف تشاء، فلا يضرك حينئذ التنزُّل إلى علم الظاهر. وقد كان شيخ شيوخنا سيدي يوسف الفاسي رضي الله عنه عنده مجلسان: مجلس لأهل الظاهر، ومجلس لأهل الباطن. فإن كان في مجلس الظاهر، وجاء إليه أحد من الفقراء، يقول: اذهب حتى نأتي إلى مجلسكم، وإن كان في مجلس أهل الباطن، وجاء إليه أحد من أهل الظاهر، قال: اذهب حتى نأتي إليكم. وكان له هذا بعد الرسوخ في علم الحقيقة. وبالله التوفيق.
ولمَّا أولم عليه الصلاة والسلام على زينب جلس قوما في بيته يتحدثون فأنزل الله تعالى في شأنهم: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... }