التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ
٧٥
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ
٧٧
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
٧٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ
٧٩
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨١
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٨٢
-الصافات

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد نادانا } أي: دعانا { نوحٌ } حين أيس من قومه بقوله: { { أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } [القمر: 10] أو: دعانا؛ لِنُنجيه من الغرق، { فَلَنِعْمَ المجيبون } أي: فأجبناه أحسن الإجابة، ونصرناه على أعدائه، وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون، فوالله لَنِعْمَ المجيبون نحنُ، فحذف القسم؛ لدلالة اللام عليه. وحذف المخصوص، والجمع؛ دليل العظمة والكبرياء. { ونجيناه وأهلَه } ومَن آمن به وأولاده المؤمنين { من الكَرْبِ العظيم } وهو غمّ الغرق، أو: إذاية قومه، { وجعلنا ذريتَه هم الباقين } وقد فني غيرهم. قال قتادة: الناسُ كلهم من ذرية نوح، وكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد: سام ـ وهو أبو العرب وفارس والروم ـ وحام ـ وهو أبو السودان، من المشرق إلى المغرب ـ ويافث ـ وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج ـ وقد نظمه بعضهم، فقال:

العرب والروم وفارس اعلمن أولاد سام فيهم الخير كَمَن
من نسل حام نشا السودان شرقاً وغرباً، ذا له برهان
يأجوج مأجوج من الصقالبة ليافث، لا خير فيهم قاطبه

{ وتركنا عليه في الآخِرِين } أي: وأبقينا عليه الثناء الحسن في الأمم الآخِرِين، الذين يأتون بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة، { سلامٌ على نوح }: مبتدأ وخبر، استئناف، { في العالمين } يعني: أنهم يُسلمون عليه تسليماً، ويدعون له، أي: ثبتت هذه التحية فيهم، ولا يخلو أحد منهم منها، كأنَّ الله أثبت التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين، يسلّمون عليه عن آخرهم. { إِنا كذلك نجزي المحسنين } فنُكرمهم ونُحييهم، وهو تعليل لما فعل بنوح من التكرمة السنية، بأنه مجازاة له على إحسانه، { إِنه من عبادنا المؤمنين } علّل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً؛ ليريك جلاله محلّ الإيمان. { ثم أغرقنا الآخَرِين } أي: الكافرين.
ذكر في كتاب حياة الحيوان، عن القشيري: أن العقرب والحية أتيا نوحاً عليه السلام فقالتا: احملنا معك، ونحن نعاهدك ألا نضر أحداً ذكرك، فحملهما. فمَن قرأ، حين يخاف مضرتهما، حين يمسي وحين يصبح: سلام على نوح في العالمين، ومحمد في المرسلين، إنا كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين، ما ضرتاه. هـ. وقال نبينا عليه الصلاة والسلام:
"مَن قال حين يُمسي وحين يُصبح: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خَلَقَ، لم يضره شيء" .
الإشارة: إذا تحقق الإيمان والإحسان في عبد أُعطي ثلاث خصال: نفوذ الدعوة، والثناء الحسن بعده، والبركة في الذرية، كل ذلك مقتبس من قضية نوح عليه السلام.
ثم ذكر خليله إبراهيم عليه السلام فقال: { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ... }