التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
٤٩
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ
٥٠
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ
٥١
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ
٥٢
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ
٥٣
إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ
٥٤

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { جناتِ }: عطف بيان لحُسن مآب، أو: بدل. و { مفتَّحة }: حال من { جنات عدن }. والعامل فيها: الاستقرار في { للمتقين }. و { الأبواب }: نائب الفاعل لمُفتَّحة. والرابط بين الحال وصاحبها: إما ضمير مقدّر، كما هو رأي البصريين، أي: الأبواب منها، أو: الألف واللام القائم مقامه، كما هو رأي الكوفيين، أي: أبوابها. و { متكئين }: حال من ضمير { لهم }، والعامل فيه: { مفتحة }. و { يَدْعُون }: إما استئناف، أو: حال مما ذكر، أو: من ضمير { متكئين }.
يقول الحق جلّ جلاله: { هذا } أي: هذا الذي ذكر من الآيات الناطقة بمحاسن الأنبياء والرسل، { ذِكْرٌ } أي: شَرَفٌ لهم، وذِكْر جميل يُذكرون به أبداً، أو: نوع من الذكر، أي: القرآن. وآيٌ منه مشتمل على أنباء الأنبياء، أو: تذكير ووعظ؛ لأنه يذكر أحوال الأكابر ليقتدي بهم، أو: ذكر مَن مضى الأنبياء، أو: شرف لك؛ لأنه معجزة لك يدلّ على صدقك، { وإِنَّ للمتقين } أي: جنس المتقين، أو: مَن ذكر مِن الرسل، عبّر عنهم بالمتقين مدحاً لهم بالتقوى؛ إذ هي غاية الكمال. { لَحسنْ مآبٍ }؛ مرجع.
ثم بيَّنه بقوله: { جنات عدنٍ }؛ إقامة { مفتحةً لهم الأبوابُ } فإذا جاؤوها لا يلحقهم ذلّ الحجاب، ولا كلفة الاستئذان، تستقبلهم الملائكة بالتبجيل والترحيب، { متكئينَ فيها } على أرائكهم في حِجالهم، { يَدْعُون فيها بفاكهةٍ كثيرة } مما يشتهون { وشرابٍ } كثير كذلك، حذف اكتفاء بالأول، والاقتصار على دُعاء الفاكهة للإيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكُّه والتلذُّذ، دون التغذي والحاجة، فإنه لا تَحلُل في الأبدان ولا حاجة.
{ وعندهم } حور { قاصِراتُ الطَّرْفِ } على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم، { أترابٌ }؛ لِداتٌ، أسنانُهنّ كأسنانهم. قيل: ثلاث وثلاثون سنة لكل واحد، أو: مستويات في الحُسن والجمال والشكل؛ لأن التحابّ بين الأقران أبلغ وأثبت، وقيل: أتراب بعضهن لبعض، لا عجوز فيهن ولا صبية. واشتقاقه من التراب، فإنه يمسَّهن في وقت واحد.
{ هذا ما تُوعدون ليوم الحساب }، قال ابن عرفة: اللام للتوقيت، أي: عنده، أو: للتعليل، فإن الحساب علَّة للوصول إلى الجزاء. وقرأ المكي والبصري بياء الغيب، ليُوافق ما قبله، والالتفات أليق بمقام الامتنان والتكريم. { إِنَّ هذا } الذي ذكر من ألوان النعيم والكرامات { لَرِزْقُنا } أعطيناكموه، { ما له من نفاذٍ }؛ من انقطاع وتمام أبداً.
الإشارة: كل مَن توجه إلى الله بكليته، واتصف بمحاسن الأخلاق، كان له ذكر وشرف في الدنيا، وكرامة في العُقبى، بما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ثم ذكر أضدادهم بقوله: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً }.