التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوۤ إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ
٨
-الزمر

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { وإِذا مَسَّ الإِنسانَ } أي: جنس الإنسان { ضُرٌّ } من مرض وغيره { دَعَا رَبَّه مُنِيباً } إليه؛ راجعاً إليه مما كان يدعوه في حالة الرخاء؛ لعِلمه بأنه بمعزل عن القدرة على كشف ضره، وهذا وصف للجنس ببعض أفراده، كقوله تعالى: { { إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إِبراهيم: 34] وقيل: المراد أبو جهل، أو: كل كافر. { ثم إِذا خَوَّلهُ نعمةً منه } أي: أعطاه نعمة عظيمة من جنابه، من التخوُّل، وهو التعهُّد، يقال: فلان خائل مال، إذا كان متعهّداً إليه حسن القيام به. وفي الصحاح: خَوَّله اللهُ الشيء: ملَّكه إياه. وفي القاموس: وخوَّله اللهُ المالَ: أعطاه إياه.
قال ابن عطية: خوَّله، أي: ملَّكه، وحكمه فيها ابتداء من الله، لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء: خوّل. هـ. أو: من الخوَل، وهو الافتخار، أي: جعله يخول، أي: يختال ويفتخر بنعمه. { نَسِيَ ما كان يدعو إِليه من قَبْلُ } أي: نسيَ الضر الذي كان يدعو الله تعالى كشفه من قبل التخويل، أو: نسي ربه الذي كان يدعو ويتضرّع إليه، على أن { ما } بمعنى { من } ، كقوله تعالى:
{ { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى } [الليل: 3]، أو: إيذاناً بأن نِسْيانَه بلغ به إلى حيث لا يعرف ما يدعوه، وهو كقوله تعالى: { { عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [الحج: 2].
{ وجعل لله أنداداً }: شركاء في العبادة؛ { ليُضل } بذلك { عن سبيله } الذي هو التوحيد، أي: ليُضل غيره، أو: ليزاد ضلالاً، أو: يثبت عليه، على القراءتين، وإلا؛ فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور. واللام للعاقبة، كما في قوله:
{ { فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] غير أن هذا أقرب للحقيقة؛ لأن الجاعل هنا قاصد بجعله المذكور حقيقة الإضلال والضلال، وإن لم يعرف؛ لجهله أنهما إضلال وضلال، وأما آل فرعون فهم غير قاصدين بالتقاطهم العداوة أصلاً. قاله أبو السعود.
{ قُلْ تَمتعْ بكفرك قليلاً } أي: تمتعاً قليلاً، أو: زماناً قليلاً في الدنيا، وهو تهديد لذلك الضال المضل، وبيان لحاله ومآله. { إِنك من أصحاب النار } أي: من ملازميها، والمعذَّبين فيها على الدوام، وهو تعليل لقلة التمتُّع. وفيه من الإقناط من النجاة ما لا يخفى، كأنه قيل: إذا أبيتَ قبول ما أمرت به من الإيمان والطاعة، فمن حقك أن تؤمَر بتركه لتذوق عقوبته.
الإشارة: الصفة الممدوحة في الإنسان: أن يكون إذا مسَّه الضر التجأ إلى سيده، مع الرضا والتسليم، فإذا كشف عنه شكر الله وحمده، ودام على شكره، ونسب التأثير إلى الأسباب والعلل، وهو صريح الآية. وبالله التوفيق.
ثم ذكر حال مَن شكر، فقال: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً }.