التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
١٠٢
-النساء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحقّ جلّ جلاله: { وإذا كنت فيهم } أيه الرسول { فأقمت لهم الصلاة }، أي: صلاة الخوف، وكذلك الأمراء النائبون عنه، { فلتقم طائفة منهم معك }، وطائفة تقف وجَاهَ العدو للحراسه، { وليأخذوا أسلحتهم } أي: المصلون معك، { فإذا سجدوا فليكونوا } أي: الطائفة الحارسة { من ورائكم } فإذا صلَّت نصفَ الصلاة مع الإمام، قضت في صلبه ما بقي لها وذهبت تحرس.
{ ولتأت طائفة أخرى لم يُصلوا فليُصلوا معك } النصف الباقي، فإذا سلمتَ، قضوا ما بقي لهم، فإذا كانت ثنائية: صلَّى بالأولى ركعةَ، وَثَبَتَ قائمًا ساكتًا أو قارئًا، ثم تصلي من صلت معه ركعة وتسلم، وتأتي الثانية فتكبر، فيُصلِي بها ركعةً ويسلم وتقضي ركعة. واذا كانت رباعية، أو ثلاثية صلى بالأولى ركعتين، ثم تقوم الأولى فتصلي ما بقي لها وتسلم وتأتي الثانية فتكبر وتصلي معه ما بقي له، ثم تقضي ما بقي لها، هكذا قاله مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصلي بالأولى ركعّة، ثم تتأخر وهي في الصلاة، وتأتي الثانية فيصلي بها ركعة، فإذا سلَّم ذهبت مكان الأولى قبل سَلاَمها، فتأتي الأولى فتصلي ركعة ثم تُسلَّم، وتأتي الثانية فتصلي ركعية ثم تُسلَّم. وفي صلاة الخوف عشرة أقوال على حسب الأحاديث النبوية، لأنها تعدَّدت منه صلى الله عليه وسلم، فكل واحد أخذ بحديث، وما قاله مالك والشافعي هو الذي فعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ في غزوة ذات الرقاع.
ثم أمر الطائفة الحارسة بأخذ السلاح، والحذر من العدو فقال: { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم }، ثم ذكر عِلَّةَ الحذر فقال: { ودّ الذين كفروا لو تَغْفُلُون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة } أي: تمنوا أن ينالوا منكم غرة، فيشدون عليكم شدة واحدة فيستأصلونكم.
رُوِي أن المشركين لما رأوا المسلمين صلوا صلاة الظهر ندموا أن لو كانوا أغاروا عليهم في الصلاة، ثم قالوا: دعوهم فإن لهم صلاة هي إليهم أحب من آبائهم وأبنائهم ـ يعنون صلاة العصرـ، فلما قام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لصلاة العصر نزل جبريلُ بصلاة الخوف.
ثم رخَّص لهم في وضع السلاح، لعذرٍ فقال: { ولا جناح عليكم } أي: لا إثم { إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } منهم بالحراسة. رُوِي أنها نزلت في عبد الرحمن بن عوف، مَرِضَ فوضع سلاحه، فعنَّفه أصحابُه، فنزلت الآية.
ثم هوَّن شأن الكفار بعد أن أمر بالحذر منهم فقال: { إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا } في الدنيا والآخرة.
قال البيضاوي: وعد المؤمنين بالنصرة على الكفار، بعد الأمر بالحذر، ليقوي قلوبهم، وليعلموا أن الأمر بالحذر ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل إن الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التيقظ والتدبير.هـ.
الإشارة: إذا كنت في جند الأنوار، وأحدَقَت بك حضرة الأسرار، ثم نزلتَ إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ فلتقم طائفة من تلك الأنوار معك، لتحرسك من جيش الأغيار وجند الأكدار، حتى يكون رجوعُك إلى الآثار مصحوبًا بكسوة الأنوار وحليلة الاستبصار، فيكون رجوعك إليها بالله لا بنفسك، فإذا سجد القلبُ في الحضرة كانت تلك الأنوار من ورائه والأسرار من أمامه،
{ وَاللهُ مِن وَرَآئِهِم مُحِيطُ } [البُرُوج:20]، ولتأت طائفة أخرى لم تصل هذه الصلاة؛ لأنها لم تبلغ هذا المقام، فلتصل معك اقتباسًا لأنوارك، لكن تأخذ حذرها وتستعد من خواطر الأشغال، كي لا تميل عليهم فتفتنهم عن الحضور مع الكبير المتعال، فإن كان مريض القلب بالهوى وسائر العلل، فلا يكلف من الحضور إلا ما يطيقه، لأن القط لا يكلف بحمل الجمل. والله تعالى أعلم.