التفاسير

< >
عرض

مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً
١٣٤
-النساء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { من }: شرطية، وجوابها محذوف؛ دل عليه الكلام، أي: من كان يريد ثواب الدنيا فيلطلبه منه، فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، أو من كان يريد ثواب الدنيا فلا يقتصر عليه خاصة، عند الله ثواب الدنيا والآخرة.
يقول الحقّ جلّ جلاله: { من كان يريد ثواب الدينا } والتوسع فيها، فليطلبه منا؛ فعند الله ثواب الدارين، أو من كان يريد ثواب الدنيا، فليطلب مع ذلك ثوابَ الآخرة أيضًا، وليقل:
{ { رَبَّنَا ءَاتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةَ وَفي الأَخِرَةِ حَسَنَةً } [البَقَرَة:201]؛ { فعند الله ثواب الدنيا والآخرة }، فيعطيهما معًا لمن طلبهما، والثاني أنهض من الأول، وأكملُ منهما من أعرض عنهما وطلب مولاه، { وكان الله سميعًا بصيرًا }، لا يخفى عليه مقاصد خلقه، فيعطي كُلاًّ على حسب قصده.
الإشارة: المهم ثلاثة: همة دنية تعلقت بالدنيا الدنية، وهمة متوسطة تعلقت بنعيم الآخرة، وهمة عاليه تعلقت بالكبير المتعال. والله تعالى يرزق العبد على قدر همته، وبالهمم ترفع المقادير أو تسقط، فمن كانت همته دنية كان دَنيًا خسيسًا، ومن كانت همته متوسطة؛ كان قدره متوسطًا، رحل من كون إلى كون، كحمار الرحا، يسير، والذي ارتحل منه هو الذي عاد إليه، ومن كانت همته عالية كان عالي المقدار، كبير الشأن حاز الكونين بما فيهما، وزاد مشاهدة خالقهما، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.