التفاسير

< >
عرض

لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً
١٦٢
-النساء

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { والمؤمنون } عطف على الراسخين، و { يؤمنون }: حال منهم. و { المقيمين }: نصب على المدح، لأن العرب إذا تطاولت في مدح شيء أو ذمه خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه، نظيره: { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ } [البَقَرَة:177]. وقالت عائشة رضي الله عنهما: هو لحن من الكُتَّاب، وفي مصحف ابن مسعود: { والمقيمون } بالرفع على الأصل.
يقول الحقّ جلّ جلاله: ليس أهل الكتاب كلهم كما ذكرنا، { لكن الراسخون في العلم منهم } كعبد الله بن سلام، ومخيريق، وغيرهما ممن له علم بالكتب المتقدمة، { والمؤمنون } منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، من وعوامهم حال كونهم { يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } أي: يؤمنون إيمانًا كاملاً بلا تفريق، وأخص { المقيمين الصلاة }، المتقنين لها، { المؤتون الزكاة } المفروضة، { والمؤمنون } منهم { بالله واليوم الآخر }، على صفة ما جاء به القرآن من البعث بالأجسام والحساب وغير ذلك؛ مما هو مقرر في السنة، { أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا }، فتكون الآية كلها في أهل الكتاب.
أو يقول الحقّ جلّ جلاله: { لكن الراسخون في العلم } من أهل الكتاب، { والمؤمنون } بمحمد صلى الله عليه وسلم، من العرب، { والمقيمين الصلوة } منهم، { والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرًا عظيمًا }.
الإشارة: كل من تحقّقت توبته بعد عصيانه، وظهرت يقظته بعد غفلاته، ورسخ في العلم بالله وبصفاته وأسمائه؛ التحق بالسابقين، وحشر مع المقربين، وكان ممن أوتي أجرًا عظيمًا وخيرًا جسيمًا، والحمد الله رب العالمين.