البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد آتينا موسى الكتابَ }؛ التوراة { فاختُلف فيه } فقال بعضهم: حق، وقال بعضهم: كتبه بيده في الجبل، كما اختلف قومك في كتابك القرآن، فمِن مؤمن به وكافر، { ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك } في حق أمتك بتأخير العذاب، { لقُضِيَ بينهم }؛ لأهلكهم إهلاك استئصال. وقيل: الكلمة السابقة هو العدة بالقيامة لقوله: { { بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } [القمر: 46]، وأن الخصومات تُفصل في ذلك اليوم، ولولا ذلك لقُضي بينهم في الدنيا. { وإِنهم } أي: كفار قومك { لفي شكٍّ منه } من أجل القرآن { مُرِيبٍ }؛ موقع للريبة، وقيل: الضمير في (بينهم) و(إنهم) لليهود، وفي (منه) لموسى، أو: لكتابه، وهو ضعيف.
{ مَن عَمِلَ صالحاً } بأن آمن بالكُتب وعمل بوحيها، { فلنفسه } نفع، لا غيره، { ومَن أساء فعليها } ضرره، لا على غيره، { وما ربك بظلاّمٍ للعبيد }، فيعذب غير المسيء، أو يُنقص من إحسان المحسن.
الإشارة: الاختلاف على أهل الخصوصية سُنَّة ماضية، { ولن تجد لسنة الله تبديلاً }، فمَن رام الاتفاق على خصوصيته، فهو كاذب في دعوى الخصوصية، وفي الحِكَم: "استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك".
ثم ذكر بيان الساعة الموعودة بها في قوله: { ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك }؛ لأنها محل القضاء بين العباد، فكأن قائلاً قال: متى ذلك؟ فقال: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ }.