التفاسير

< >
عرض

لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ
٤٩
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
٥٠
-الشورى

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { لله مُلك السماوات والأرض } أي: يملك التصرُّف فيهما، وفي كل ما فيهما، كيف يشاء، ومن جملته: أن يقسم النعمة والبلية، حسبما يريده. { يخلق ما يشاء } مما يعلمه الخلقُ ومما لا يعلمونه، { يهَبْ لمَن يشاء إِناثاً } من الأولاد { ويهبُ لمن يشاء الذكورَ } منهم، من غير أن يكون لأحد في ذلك مدخل، { أو يُزوجهم } أي: يقرن بين الصنفين، ويهبهما جميعاً { ذكراناً وإِناثاً }، بأن تلد غلاماً ثم جارية، أو تلدهما معاً. { ويجعلُ مَن يشاءُ عقيماً } لا نسل له. والعقيم: الذي لا يُولد له، رجل أو امرأة.
وقدّم الإناث أولاً على الذكور؛ لأن سياقَ الكلام أنه فاعل ما يشاء، لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذِكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهمّ، أو: لأن الكلام في البلاء، والعرب تعدهن عظيم البلايا، أو: تطييب القلوب آبائهم، ولمَّا أخَّر الذكور ـ وهم أحقاء بالتقديم ـ تدارك ذلك بتعريفهم؛ لأن التعريف تنويه وتشريف، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين ما يستحقه من التقديم والتأخير، فقال: { ذكراناً وإناثاً }. وقيل المراد: أحوال الأنبياء ـ عليهم السلام ـ حيث وهب لشعيب ولوط إناثاً، ولإبراهيم ذكوراً، وللنبي صلى الله عليه وسلم ذكوراً وإناثاً، وجعل يحيى وعيسى عقيمين. { إِنه عليم قدير } مبالغ في العلم والقدرة، فيفعل ما فيه حكمة ومصلحة.
الإشارة: يهب لمَن يشاء إناثاً، علوماً وحسنات، ويهب لمَن يشاء الذكور، أذواقاً وواردات، ويجعل مَن يشاء عقيماً، لا علم ولا ذوق، وانظر لطائف المنن. أو تقول: يهب لمَن يشاء إناثاً؛ مَن ورّث علم الرسوم الظاهر، وأقيمت بعده، ويهب لمَن يشاء الذكور؛ مَن ورّث علم الأذواق والوجدان، وعمّر رجالاً، أو يزوجهم؛ مَن ورثهما، ويجعل مَن يشاءُ عقيماً لم يترك وارثاً، لا من الظاهر، ولا من الباطن، وقد يكون كاملاً وهو عقيم، وقد يكون غير كامل وله أولاد كثيرة، لكن الغالب على مَن له أولاد أن يتسع بهم، بخلاف العقيم. والله تعالى أعلم.
ثم قرّر عظمة مُلكه، فقال: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً }.