التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ
٣٣
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
٣٤
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
٣٥
-الزخرف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { ولولا أن يكون الناسُ أمةً واحدةٌ } أي: ولولا كراهة أن يجتمع الناس على الكفر، ويُطبقوا عليه، { لجعلنا } لأجل حقارة الدنيا عندنا { لِمَن يكفُر بالرحمن لبيوتهم }: بدل "مَن" { سُقُفاً من فضةٍ } أي: متخذة منها، { ومعارجَ } أي: ولجعلنا لهم مصاعد، أي: سلالم من فضة أيضاً، يصعدون عليها إلى السطوح، { عليها يظهرون } أي: يَعلون السطوح والعلالي عليها، { ولِبيوتهم } أي: وجعلنا لبيوتهم { أبواباً وسُرُراً } من فضة أيضاً، { عليها } أي: السرر { يتكئون }، ولعل تكرير "بيوتهم" لزيادة التقرير. { وزُخرفاً } أي: وجعلنا لهم زخرفاً، أي: زينةً من كل شيء. والزخرف: الذهب والزينة. ويجوز أن يكونَ الأصلُ: سقفاً من فضة وزخرف، أي: بعضها من فضة، وبعضها مِن ذهب، فنُصب عطفاً على محل "مِن فضة".
{ وإِن كُلُّ ذلك لَمَّا متاعُ الحياةِ الدنيا } أي: وما كل ما ذكر من البيوت الموصوفة بما ذكر من الزخارف الغرارة، إلا شيء يتمتع به في الحياة الدنيا، ثم يفنى وتبقى تبعته. { والآخرةُ } أي: ونعيم الآخرة الذي يقصر عنه البيان: خير { عند ربك للمتقين } الكفر والمعاصي. وبهذا يتبين أن العظيم إنما هو العظيم في الآخرة، لا في الدنيا، ولذلك لم يجعل للمؤمنين فيها حظاً وافراً؛ لأنه تمتع قليل بالنسبة إلى ما لهم في الآخرة، ولأنه ربما يشغلهم عن ذكر الرحمن، كما أشار إليه بقوله: { ومَن يَعْشُ... } الخ.
الإشارة: في الآية ذم للدنيا ولمَن اشتغل بها. وفي الحديث:
"لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقي كافراً منها شربة ماء" . وعن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ، فأثَّرَ الحصيرُ في جَنْبِه، فلما استيقظ، جعلتُ أمسح عنه، وأقول: يا رسول الله؛ ألا آذنتني قبل أن تنام على هذه الحصيرة، فأبسط عليه شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي، ما أنا والدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ في فيء، أو ظل شجرةٍ، ثم راح وتركها" . ورُوي أن عيسى عليه السلام أخذ لبنة من طوب، فجعلها تحت رأسه، فجاءه جبريل عليه السلام، فوكز الطوية من تحت رأسه، ونزعها، وقال: "اترك هذه مع ما تركتَ" . وأنشدوا في هذا المعنى:

رضيتُ من الدنيا بقُوتٍ وخرقةٍ وأشربُ من كوز حوافيه تُكْسَرُ
فقل لبني الدنيا: اعزلوا مَن أردتُم وولُّوا، وخلوني على البعد أنظرُ

وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا خراب، وأخرب منها قلب مشتغل بها" . ومَن اشتغل بها غَفَلَ عن ذكر الرحمن، وسُلط عليه الشيطان، كما قال تعالى: { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ }.