التفاسير

< >
عرض

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٨٧
وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٨٨
فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-الزخرف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: { قِيلهِ }: مصدر مضاف لفاعله، يقال: قال قولاً وقالاً وقيلاً ومقالاً. واختلف في نصبه، فقيل: عطف على { سِرَّهُمْ } [الزخرف: 80] أي: يعلم سرهم ونجواهم وقيلَه، وقيل: عطف على محل "الساعة"، أي: يعلم الساعة ويعلم قيلَه، ويجوز أن يكون الجر والنصب على إضمار القسم، وحذفه، كقوله تعالى: { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } [ص: 84] وجوابه: { إن هؤلاء.. } الخ.
يقول الحق جلّ جلاله: { ولئن سألتَهُم } أي: المشركين، أو: العابدين والمعبودين { مَنْ خلقهمْ ليقولُونَّ اللّهُ } لا الأصنام والملائكة { فأنَّى يُؤفكون } فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره، مع كون الكل مخلوقاً له تعالى.
ولما شقّ عليه صلى الله عليه وسلم صرفهم عن الإيمان جعل يستغيث ربه في شأنهم، حرصاً على إيمانهم، ويقول: { يا رب إِن هؤلاء قوم لا يؤمنون } أي: قد عالجتهم فلم ينفع فيهم شيء، فلم يبقَ إلا الرجوع إليك، إما أن تهديهم، أو تُهلكهم، فأخبر تعالى أنه يسمع سرهم ونجواهم، وقوله عليه السلام في شأنهم، قال له تعالى: { فاصفحْ عنهم } أي: أعرض عنهم وأمهلهم، { وقل سلامٌ } أي: أمري تسلّم منكم ومتاركة، حتى نأمرك أعرض عنهم وأمهلهم، { وقل سلامٌ } أي: أمري تسلّم منكم ومتاركة، حتى نأمرك بجهادهم، { فسوف يعلمون } حالهم قطعاً، إن تأخر ذلك. وهو وعيد من الله تعالى، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: فسوف يعلمون حقيق ما أنكروا من رسالتك. ومَن قرأ بالخطاب، فهو داخل في حيز "قل"، من جملة ما يقال لهم.
الإشارة: العجب كل العجب أن يعلم العبد أنه لا خالق له سوى ربه، ولا محسن له غيره، وهو يميل بالمحبة أو الركون إلى غيره، وفي الحِكَم: "والعجب كل العجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه، ويطلب ما لا بقاء له معه، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" ويقال لمَن دعا إلى الله فلم ينجح دعاؤه: { فاصفح عنهم وقل سلام... } الآية.
وبالله التوفيق... وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.