التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
٢
مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ
٣
-الأحقاف

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { حمۤ } يا محمد، أو: الوحي إلى محمد، { تنزيلُ الكتاب من الله } أي: هذا تنزيل القرآن، وهو من الله { العزيزِ الحكيم } فمَن حفظه، وعرف ما فيه، وعمل بمضمنه كان عزيزراً على الله، حكيماً فيما يبدئ ويعيد. { ما خلقنا السماواتِ والأرض وما بينهما } من المخلوقات { إِلا بالحق } أي: إلا ملتبساً بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية، فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل، أو من أعم الأحوال، أي: ما خلقناهما في حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق، وفيه من الدلالة على وجود الصانع، وصفات كماله، وابتناء أفعاله على حكمة بالغة، ما لا يخفى، { وأجل مُسمىً } تنتهي إليه، وهو يوم القيامة، يوم تُبدل الأرض غير الأرض والسموات، { والذين كفروا عما أُنذروا } به من هول ذلك اليوم، الذي لا بُد لكل مخلوق من الانتهاء إليه، { مُعرِضُون } لا يؤمنون به، ولا يهتمُّون بالاستعداد له، ويجوز أن تكون "ما" مصدرية، أي: عن إنذارهم ذلك اليوم معرضون.
وحاصل افتتاح السورة: أنّ الوحي الخاص إلى محمد هو منزل من الله العزيز، الذي عَزَّ عن الافتراء عليه، وأعزَّ بالوحي مَن تمسّك به، الحكيم في تنزيله وحيه، مرشداً لعباده لِمَا فيه صلاحهم وهداهم، ومن حكمته: أنّ خلق السموات والأرض دالاًّ بذلك على توحيده، وكماله في أوصافه وتدابيره، المقتضية لترتُّب دار الجزاء على دار العمل، بحيث لا يُسَوِّي بين مبطل ومحق، فأرشد بخلق الأشياء إلى حكمته دلالة، ثم بإنزال الوحي بذلك قالة، ومع وضوح الأمر في دلالتهما أعرض الذين كفروا من غير دليل عقلي ولا نقلي متواتر ولا آحاد، على أنَّ ما اقتضاه الوحي إلى محمد من التوحيد، والجزاء المرتب على الإخلاص له، والصدق في عبودية الله، والدعاء إلى محاسن الأخلاق، مما اجتمعت عليه الرسل قبله، فليس بمدع مِن عنده. هـ. من الحاشية.
الإشارة: { حمۤ } يا حبيب ممجد، قد مجدناك بإنزال كتابنا، وعززناك برسالتنا، ما خلقنا الكائنات إلا ملتبسة بأسرار الحق، وأهل الغفلة معرضون عن هذا.
قال القشيري: حَمَيْتُ قلوبَ أهل عنايتي، فصرفتُ عنها خواطر التجويز، ورميتها في مشاهد اليقين بنور التحقيق، فيها شواهد برهانهم، أي: برهان العيان - فأضفنا إليها لطائف إحساننا، فكملت مَنالها من عين الوصلة، وغديناهم بنسيم الأنس في ساحات القربة. { العزيز } المعز للمؤمنين بإنزال الكتب، { الحكيم } لكتابه عن التبديل والتحويل. هـ. وخواطر التجويز هي خواطر الشك في المقدور، يجوز الوقوع وعدمه بسبب ضعف اليقين، فإذا انتفى عن القلب خواطر التجويز، دخله السكون والطمأنينة، وارتاح في ظل برد الرضا والتسليم. والله تعالى أعلم.
ثم وبَّخهم على الشرك بعد ظهور بطلانه، فقال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }.