التفاسير

< >
عرض

وَٱلطُّورِ
١
وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ
٢
فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ
٣
وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ
٤
وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ
٥
وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ
٦
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ
٧
مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
٨
-الطور

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { والطورِ } هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى بمَدين، { وكتابٍ مسطور } وهو القرآن العظيم، ونكّر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب، أو: اللوح المحفوظ، أو: التوراة، كتبه الله لموسى، وهو يسمع صرير القلم، { في رَقٍّ منشور } الرَق: الجلد الذي يُكتب فيه، والمراد: الصحيفة، وتنكيره للتخفيم والإشعار بأنها ليست مما يتعارفه الناس، والمنشور: المفتوح لا ختم عليه، أو: الظاهر للناس، { والبيت المعمور } وهو بيت في السماء السابعة، حِيَال الكعبة، ويقال له: الضُراح، وعُمرانه بكثرة زواره من الملائكة، رُوي: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، يطوفون به، ويخرجون، ومَن دخله لا يعود إليه أبداً، وخازنه ملَك يُقال له: "رَزين". وقيل الكعبة، وعمارته بالحجاج والعُمَّار والمجاورين.
{ والسقفِ المرفوع } أي: السماء، أو: العرش، { والبحر المسجُورٍ } أي: المملوء، وهو البحر المحيط، أو الموقد، من قوله تعالى:
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سًجِّرَت } [التكوير: 6] والمراد الجنس، رُوي "أن الله تعالى يجعل البحار يوم القيامة ناراً، تسجر بها نار جهنم، كما يسجر التنوير بالحطب" وعن ابن عباس: المسجور: المحبوس، أي: المُلْجَم بالقدرة. والواو الأولى للقسم، والتوالي للعطف، والمقسم عليه: { إِنَّ عذاب ربك لواقعٌ } لنازل حتماً، { ما له من دافع } أي: لا يمنعه مانع، والجملة: صفة لواقع، أي: وقع غير مدفوع. و"من" مزيدة للتأكيد، وتخصيص هذه الأمور بالإقسام بها؛ لأنها أمور عظام، تُنبئ عن عِظم قدرة الله تعالى، وكمال علمه، وحكمته الدالة على إحاطته تعالى بتفاصيل أعمال العباد، وضطبها، الشاهدة بصدق أخباره، التي من جملتها: الجملة المُقسَم عليها.
الإشارة: أقسم الله تعالى بجبل العقل، الذي أرسى به النفس أن تميل إلى ما فيه هلاكها، وبما كتب في قلوب أوليائه من اليقين، والعلوم، والأسرار، قال تعالى:
{ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإِيمانُ } [المجادلة: 22] وذلك حين رقَّت وَصَفَت من الإغيار، ثم أقسم أيضاً بذلك القلب، وهو البيت المعمور؛ لأن القلب بيت الرب، "يا داوود طَهرّ بيتاً أَسْكُنه..." الحديث، وهو معمور بالمعارف والأنوار، وأقسم بسماء الأرواح المرفوعة عن خوض عالم الأشباح، وهو سقف بيت القلب، وبحر الأحدية الذي عمر كلَّ شيء، وأحاط بكل شيء، وأفنى كلَّ شيء، فالوجود كله بحر متصل، أوله وآخره، وظاهره وباطنه. إنَّ عذاب ربك لأهل العذاب، وهم أهل الحجاب، لواقع، وأعظم العذاب: غم الحجاب وسوء الحساب، ومن دعاء السري السقطي: اللهم مهما عذبتني فلا تعذبني بذل الحجاب. اهـ. ماله من دافع؛ لا يدفعه أحد من الخلق، إلا مَن رحم الله، أو: مَن أهّله الله لذلك من أهل التربية النبوية.
ثم ذكر وقت ما أقسم عليه، فقال: { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً }.