التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
-القمر

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { كذبتْ عادٌ } هوداً عليه السلام، { فكيف كان عذابي ونُذُرِ }؟! أي: وإنذاري لهم بالعذاب قبل نزوله، والاستفهام لتوجيه قلوب السامعين للإصغاء إلى ما يُلقى إليهم قبل ذكره؛ لتهويله وتعظيمه، وتعجيبهم من حاله قبل بيانه، كما قبله وما بعده، كأنه قيل: كذبت عاد فهل سمعتم ما حلّ بهم؟ أو: فاسمعوا، فكيف كان عذابي وإنذاري لهم.
ثم بيَّن ما أجمل فقال: { إِنَّا أرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً } باردة أو: شديدة الصوت، { في يوم نَحْسٍ } شؤم { مستمرٍ } شؤمه عليهم إلى أن أهلكهم، وكان في أربعاء آخر شوال، { تَنزِعُ الناسَ } أي: تقلعهم، وجاء بالظاهر مكان المضمر؛ ليشمل ذكورَهم وإناثهم، صغيرهم وكبيرهم. رُوي: أنهم كانوا يتداخلون الشِّعاب، ويحفرون الحفر، ويندسُّون فيها، ويُمسك بعضهم ببعض؛ فتزعجهم الريح، وتَصرعُهم موتى.
قال ابن إسحاق: ولمّا هاجت عليهم الريح، قام سبعةُ نفرٍ من عاد فأولجوا العيال في شعب بين جبلَين، ثم اصطفُّوا على باب الشعب، ليردُّوا الريحَ عنهم، فجعلت الريحُ تجعفهم رجلاً رجلاً. هـ. ثم صاروا بعد موتهم { كأنهم أعجازُ نخل مُنقَعرٍ } أي: أصول نخل منقلع من مغارسه، وشُبِّهوا بأعجاز النخلة، وهي أصولها التي قطعت روؤسها؛ لأنّ الريح كانت تقطع رؤوسهم، فتبقى أجساداً بلا رؤوس، فيتساقطون على الأرض أمواتاً، وهم جثث طوال. وتذكير صفة النخل بالنظر إلى اللفظ، كما أن تأنيثه في قوله تعالى:
{ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [الحافة: 7] بالنظر للمعنى. { فكيف كان عذابي ونُذُر }؟! تهويل وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما، فليس فيها شائبة تكرار، وما قيل: من أن الأول لِما حاق بهم في الدنيا، والثاني لِما يحيق بهم في الآخرة، يرده ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي.
{ ولقد يَسَّرنا القرآنَ للذكرفهل من مُّدَّكِرٍ }؟! وفي تكريره بعد كل قصة؛ تنبيه على أن إيراد قصص الأمم إنما هو للوعظ والتذكار، وللانزجار عن مثل فعلهم، لا لمجرد السماع والتلذُّذ بأخبارهم، كما هي عادة القصاص.
الإشارة: من شأن النفوس العاتية المُتجبرة العادية؛ تكذيب أهل الخصوصية كيفهما كانوا، ولا ترضى بحط رأسها لمَن يدعوها إلى ربها، فيُرسل اللّهُ عليهم ريحَ الهوى والخذلان، فتصرعهم في محل الذل والهوان، وتتركهم عبيداً لنفوسهم الخسيسة، وللدنيا الدنية، فكيف كان عذابي هؤلاء وإنذاري لهم؟! ولقد يسّرنا القرآن للذكر، وبيَّنَّا فيه ما فعلنا بأهل التكبُّر والعناد من الإهانة والطرد والإبعاد، فهل مِن مدكر، يتيقّظ مِن سنة غفلته، ويرحل من دنياه لآخرته، ومن نفسه إلى ربه؟
ثم ذكر قصة ثمود، فقال: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ }.