التفاسير

< >
عرض

يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ
٤١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٢
هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ
٤٣
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
٤٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٥
-الرحمن

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { يُعْرَفُ المجرمون } أي: الكفرة { بسيماهم } بسواد وجوههم، وزُرقة عيونهم، أو: بما يعلوهم من الكآبة والحزن. قيل: هو تعليل لقوله: { فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان } أي: لا يُسألون لأنهم معروفون، { فيُؤخذُ بالنواصي والأقدام } أي: يُجمع بين نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم، وقيل: تسحبهم الملائكةُ، تارة يُأخذ بالنواصي، وتارة بالأقدام، فالجار نائب الفاعل، { فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان } فإنَّ التخويف من هذه الأهوال قبل وقوعها من أجلّ النعم؛ ليقع الزجر عما يُؤدي إليها.
{ هذه جهنمُ التي يُكذِّب بها المجرمون } أي: يُقال لهم: هذه جهنم التي كذبتم بها، توبيخاً وعقاباً، { يطوف بينهما وبين حميمٍ آنٍ } أي: بالغ من الحرارة أقصاها، فالحميم: المار الحار، "والآنِ": البالغ في الحرارة، فهم يُعذّبون بين الحرق بالنار وشرب الحميم الحار. قال كَعْب: إن وادياً من أودية جهنم، يجتمع فيه صديد أهل النار، ينغمسون بأغلالهم فيه، حتى يخلع أوصالهم، ثم يُخرجون منها، وقد أحدث اللّهُ لهم خلقاً جديداً، فيُلقون في النار، فذلك قوله تعالى: { يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ }، { فبأي آلاء ربكما تُكَذِّبان }، وقد تقدّم تفسير كون هذا نِعماً مراراً.
الإشارة: فسَّر القشيري "المجرمون" هنا بطائفتين، الأولى: المتشدقون من علماء الكلام، الذي يتكلمون في ذاته وصفاته وأفعاله بما ليس لهم به علم، ويُجادلون أربابَ الكشف والشهود بسبب علومهم الجدلية، ويفوهون بقوة الجبهة وصلابة الناصية، فلا شك أنهم يُجرون على ناصيتهم في نار البُعد والطرد عن مراتب أهل العرفان. الطائقة الثانية: المتصوفة الجاهلة، المنقطعون عن الطريق المستقيم، والمنهج القويم، بسبب دخولهم في هذه الطريق بالتقليد، من غير إذن شيخ كامل، واصِلٍ مُوصِل، فلا شك أنهم يخرجون بأقدامهم المُعْوَجة عن سلوك طريق الحق إلى نار البُعد والقطيعة. هـ. بالمعنى. والسيما التي يُعرفون بها، إما علو النفس، وغِلظة الطبع، وطلب الجاه، وإما قلقة اللسان، وإظهار العلوم، فالعارف الكامل بعكس هذا كله، متواضع، سهل، لَيِّن، الخفاء أحب إليه من الظهور، لسان حاله أفصح من مقاله. ثم قال تعالى: { هذه جهنم التي يُكذِّب بها المجرمون } المتقدمون، لأنهم ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا. وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً، { يطوفون بينها } أي: بين نار القطيعة وحميم التدبير والاختيار، مِن هَمّ الرزق، وخوف الخلق، وغم الحجاب: نسأل الله العصمة بمنِّه وكرمه.
ثم شفع بأضدادهم، فقال: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }.