التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
-المجادلة

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

يقول الحق جلّ جلاله: { ألم تَرَ إِلى الذين نُهوا عن النجوى ثم يعودون لما نُهوا عنه } نزلت في اليهود والمنافقين، كانوا يتناجون فيما بينهم، ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين، يريدون أن يغيظوهم، فنهاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فعادوا لمثل فعلهم. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والهمزة للتعجيب مِن حالهم، وصيغة المضارع للدلالة على تكرير عودهم وتجدُّده، واستحضار صورته العجيبة. وفي السِّيَر: أنه أمر بإخراجهم من المسجد، فأُخرجوا مجرورين، كما في الاكتفاء. { ويتناجون بالإِثم والعُدوان } أي: بما هو إثم في نفسه وعدوان للمؤمنين، { ومعصيتِ الرسول } أي: وتواصٍ بمعصية الرسول. وذكره صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة بين الخطابين المتوجهيْن إليه عليه السّلام لزيادة تشنُّعهم واستعظام معصيتهم، { وإِذا جاؤوا حَيَّوكَ } أي: سلَّموا عليك { بما لم يُحَيِّك به اللهُ } بما لا يُسلم عليك الله تعالى، فكانوا يقولون في تحيتهم: السام عليك يا محمد. والسام: الموت، والله تعالى يقول في سلامه على رسوله: { وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } [النمل: 29] { وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ } [الصفات: 181]. { ويقولون في أنفسِهم } أي: فيما بينهم، أو في ضمائرهم، { لولا يُعذبُنا اللّهُ بما نقول } هلاّ يُعذبنا الله بذلك، فلو كان نبيّاً لعاقبنا بالهلاك، قال تعالى: { حَسْبُهم } عذاباً { جهنمُ يصلونها } يدخلونها فيحترقون فيها، { فبئس المصيرُ } المرجع جهنم.
الإشارة: ألم ترَ إلى الذين نُهوا عن الوقوع في أهل الخصوصية، والتناجي بما يسؤوهم ثم يعودون لما نُهوا عنه، ويتناجون بالإثم والعدوان، وما فيه فساد البين وتشتيت القلوب، ومعصية الرسول بمخالفة سنته، وإذا جاؤوك أيها العارف، الخليفة للرسول، حيَّوك بما لم يُحيك به الله، أي: خاطبوك بما لم يأمر الله أن تُخاطَب به من التعظيم، ويقولون في أنفسهم، لولا يُعذبنا الله بن نفعل من تصغيرهم، حسبهم نار القطيعة والبُعد، مُخلّدون فيها، فبئس المصير.
ثم أمر المؤمنين بعكس ذلك، فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ }.