التفاسير

< >
عرض

مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ
٥
-الحشر

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

{ ما قطعتم من لِّينَةٍ }، قال القشيري: هو نوع من النخل ما عَدا العجوة والبَرْنِيّ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها من مال بني النضير، فقطع بعضها، فقالت اليهود: أي فائدة في هذا؟ فبقي المسلمون في الجواب، فأنزل الله هذه الآية. هـ. وأصلها: لونة، من الألوان، فقلبت ياء، وقيل: اللينة: النخلة الكريمة، كأنهم اشتقوها من اللين، أي: أيّ شيء قطعتم من لِينة { أو تركتموها قائمةً على أصولها } من غير أن تتعرضوا لها بشيء { فبإذن الله }؛ فقطعها وتركها بإذن الله، { وليُخزي الفاسقين } أي: وليذل اليهود ويغيظهم أذِنَ في قطعها وقلعها وفي تركها، وأمر المؤمنين أن يحتكموا في أموالهم كيف شاؤوا. واستُدل به على جواز هدم ديار الكفرة، وقطع أشجارهم، وحرق زروعهم، إذا لم يُرج وكان فيه إنكاء للعدو. وتخصيص اللينة بالقطع ليكون غيظهم أشد.
الإشارة: قَطْعُ شجرة حب الدنيا من القلب واجب على المريد في بدايته، ولو أدّى إلى إفساد المال لإصلاح قلبه، ارتكاباً لأخف الضررين، ومنه: قضية الشبلي في إحراق ثوب وقلنسوته، في حكاية التلميذ، فإذا تمكن من المعرفة خُيِّر، وله يقال: { ما قطعتم من لينة أو تركتموها... } الآية. وقال القشيري بعد تفسير الظاهر: وفيه دليل على أن الشرع غير مُعَلل، فإذا جاء الأمر الشرعي بَطَلَ طلب التعليل، وسكتَت الألسن عن المطالبة بـ"لِمَ" وخُطورُ الاعتراض والاستقباحِ بالبال خروج عن حدّ العرفان، والشيوخ قالوا: مَن قال لأستاذه: "لِمَ" لا يفلح، وكل مريدٍ يكون لأمثال هذه الخواطر جولان في قلبه لا يجيءُ منه شيء، ومَن لم يتجرّد قلبُه عن طلب الإعلال، ولم يباشِرْ حُسْنَ الرضا بكل ما يجري، واستحسانَ، كل ما يبدو من الغيب من الله سرّه وقلبَه فليس من الله في شيء. هـ. ومثله قول الحِكَم: "ما ترك مِن الجهل شيئاً مَن أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله فيه".
ثم ذكر حكم الفيء، فقال: { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ }.