التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦٢
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٦٣
قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
١٦٤
-الأنعام

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: (ربًّا): حال من (غير).
يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل } لهم يا محمد: { إن صلاتي ونسكي } أي: عبادتي كلها، وقرباتي أو حجي، { ومحياي ومماتي } أي: وعملي في حياتي، وعند موتي من الإيمان والطاعة، أو الحياة والممات أنفسهما، { لله رب العالمين لا شريك له } أي: هي خالصة لله لا أشرك فيها غيره، { وبذلك } أي: بذلك القول والإخلاص، أمرني ربي، { وأنا أول المسلمين }؛ لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته.
{ قل } لهم: { أغير الله أبغي ربًا } فأشرك مع الله، { وهو ربُّ كل شيء }؛ لأن كل شيء مربوب لا يصلح للربوبية. وهو جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم. { ولا تَكسِبُ كلُّ نفس } من شرك أو غيره { إلا عليها } وزره، فلا ينفعني ضمانكم وكفالتكم من عقاب ربي، وهو رد على الكفار حيث قالوا له: اعبد آلهتنا ونحن نتكفل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وأخراك، ثم أوضح ذلك بقوله: { ولا تزر } أي: تحمل نفس { وازرة } أي: آثمة { وزر } نفس { أخرى } أي: لا يحمل أحد ذنوب أحد، { ثم إلى ربكم مرجعكم } بالبعث والحساب، { فينبئُكم }، أي: يُخبركم { بما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين؛ فيبين الرشد من الغي، والمحق من المبطل.
الإشارة: الإخلاص سر من أسرار الله، يُودعه القلب من أحب من عباده، وهو أخلاص العبودية لله وحده، ولا يتحقق ذلك للعبد إلا بعد تحرره من رق الهوى وخروجه من سجن وجود نفسه، وهذا شيء عزيز. ولذلك قيل:
وقال الشيخ أبو طالب المكي رضي الله عنه: الإخلاص عند المخلصين: إخراج الخلق من معاملة الخالق، وأول الخلق: النفس، والإخلاص عند المحبين: ألا يعمل عملاً لأجل النفس، وألاَّ يدخل عليه مطالعة العوض، أو تشوف إلى حظ طبع، والإخلاص عند الموحدين: خروج الخلق من النظر إليهم، أي: لا يرون مع الله غيره في الأفعال، وترك السكون إليهم، والاستراحة إليهم في الأحوال. هـ.
وبالإخلاص تتفاوت الدرجات كما أبان ذلك بقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ }.