التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
٦٥
ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
٦٦
-الأنفال

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

قلت: التحريض: هو الحث على الشيء والمبالغة في طلبه، وهو من الحرض، الذي هو الإشفاء على الهلاك.
يقول الحق جل جلاله: { يا أيها النبي حرّض المؤمنينَ } أي: حثهم { على القتال } أي: الجهاد. ثم أمرهم بالصبر والثبات للعدو بقوله: { إنْ يكنْ منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا }، وهذا خبر بمعنى الأمر، أي: يقاتل العشرون منكم المائتين، والمائة الألف، وليثبتوا لهم، ولا يصح أن يكون خبراً محضاً؛ إذ لو كان خبراً محضاً لَمَا تخلف في الواقع، ولو في جزئية؛ إذ خبره تعالى لا يخلف.
قال الفخر الرازي: حَسُن هذا التكليف لِما كان مسبوقاً بقوله: { حسبُكَ الله ومن اتبعك من المؤمنين }؛ فلما وعد المؤمنين بالكفاية والنصر كان هذا التكليف سهلاً؛ لأن من تكفل الله بنصره فإن أهل العالم لا يقدرون على إذايته.هـ.
وإنما كان القليل من المؤمنين يقاوم الكثير من الكفار { بأنهم }؛ بسبب أنهم { قوم لا يفقهون }، أي: لأنهم جهلة بالله واليوم الآخر، فلا يثبتون ثبات المؤمنين، رجاء الثواب والترقي في الدرجات، قتلوا أو ماتوا، بخلاف الكفار؛ فلا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان.
ولمّا كلفهم بهذا في أول الإسلام، وشقَّ ذلك عليهم، خفف عنهم فقال: { الآن خففَ الله عنكم وعَلِمَ أن فيكم ضعفاً }؛ فلا يقاوم الواحدُ منكم العشرة، ولا المائةُ الألفَ، { فإن يكن منكم مائة صابرة يَغْلِبُوا مائتين، وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله }؛ أمرهم بمقاومة الواحد لاثنين. وقيل: كان فيهم قلة، فلما كثروا خفف عنهم، وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة؛ للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد، والضعف: ضعف البدن، لا ضعف القلب.
قال بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ: لما نزل التخفيف ذهب من الصبر تسعة أعشار، وبقي العشر. ولذلك قال تعالى هنا: { والله مع الصابرين } أي: بالنصر والمعونة، فكيف لا يغلب من يقاومهم ولو كثر عدده؟.
الإشارة: ينبغي لأهل التذكير أن يُحرضوا الناس على جهاد نفوسهم، الذي هو الجهاد الأكبر، وإنما كان أكبر؛ لأن العدد الحسي يقابلك وتقابله، بخلاف النفس فإنها جاءت تحت الرماية خفية عدو حبيب، فلا يتقدم لجهادها إلا الرجال، فينبغي للشيوخ أن يحضوا المريدين على جهادها، ويهونوا لهم شأنها، فإنَّ النفس لا يهول أمرها إلا قبل رمي اليد فيها، فإذا رميت يدك فيها بالعزم على قتلها ضعفت ولانت، وسهل علاجها، وإذا خِفت منها، وسوَّفت لها، طالت عليك وملكتك، ولا بد في جهادها من شيخ يريك مساوئها، ويعينك بهمته على قتلها، وإلاّ بقيتَ في العَنَتِ معها، والشغل بمعاناتها حتى تموت بلا حصول نتيجة جهادها، وهي المعرفة بسيدها وخالقها. والله تعالى أعلم.
ثم عاتبهم على أخذ الفداء من الأسارى، فقال: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ }.