التفاسير

< >
عرض

صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ
٧
-الفاتحة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.
صراط بدل من الأول.
والذين أنعم عليهم هم الأنبياء صلوات الله عليهم والصدِّيقون والصالحون بدلالة قوله:
{ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } [النساء: 69].
وقيل: هم أصحاب النبي [عليه السلام]، قاله الحسن.
وقيل: هم المؤمنون من بني إسرائيل الذين لم يغيروا ولا بدلوا، بدليل قوله:
{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } [البقرة: 40]. فلذلك قال هنا: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }.
وقيل: هم المسلمون.
وقال أبو العالية: "هم محمد [عليه السلام] وأبو بكر وعمر".
وقال قتادة: "هم الأنبياء خاصة".
وقال ابن عباس: "هم أصحاب موسى قبل أن يبدلوا".
وهذا دعاء أمر الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يدعوا به وألا يكونوا مثل المغضوب / عليهم - وهم اليهود -، ولا مثل الضالين - وهم النصارى -، ولا على صراطهم.
ودخلت "لا" في قوله: { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } لئلا يتوهم أن { ٱلضَّآلِّينَ } عطف على { ٱلَّذِينَ } في قوله: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ }. فبدخول "لا" امتنع أن يتوهم متوهم ذلك إذ لا تقع "لا" إلا بعد نفي أو ما هو في معنى النفي.
وقيل: "لا" زائدة.
وقيل: هي تأكيد بمعنى: "غير".
ولم يجمع { ٱلْمَغْضُوبِ }، لأنه في معنى الذين غضب عليهم / فلا ضمير فيه إذ لا يتعدى إلا بحرف جر. فلو قدرت فيه ضميراً، كنت قد عديته إلى مفعولين أحدهما بحرف جر / وهذا ليس يحسن فيه. إنما تقول: "غضبت على زيد" و "غضب على زيد". فالمخفوض يقوم مقام الفاعل. وكذلك { عَلَيْهِم } في موضع رفع يقوم مقام المفعول الذي لم يسم فاعله. والهاء والميم يعودان على الألف واللام.
والغضب من الله البعد من رحمته. والضلال الحيرة.
"و { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ }" خفض على النعت "للذين" من قوله { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ }، وحَسَنٌ ذلك لأنه شائع لا يراد به جمع بعينه فصار كالنكرة، فجاز نعته "بغير"، و"غير" نكرة وإن أضيفت إلى معرفة. ويجوز أن تخفض "غير" على البدل من [الذين. وقد قرئ] بالنصب على الحال أو على الاستثناء، وقد شرحت هذا في كتاب: "مشكل الإعراب" بأشبع من هذا.
ويقول المأموم إذا سمع { وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }: آمين. ويقولها وحده. واختلف في قول الإمام إياها عن مالك.
و (آمين)، قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى.
وقيل: هو دعاء بمعنى: "اللَّهم استجب".
وقال ابن عباس والحسن: "معنى "آمين": كذلك يكون". وهي تمد وتقصر لغتان.
والمؤمن داع. فقد قال الله لموسى وهارون:
{ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [يونس: 89]. وموسى كان هو الداعي، وهارون يؤمن، والمؤمن إذا قال: "اللهم استجب" فهو داع بالإجابة، وهو مبني لوقوعه موقع الدعاء / وبني على حركة لالتقاء الساكنين وكان / الفتح أولى به لأن قبل آخره ياء.
وروى أبو هريرة عن النبي [عليه السلام] قال:
"إِذَا قَالَ الإمَامُ { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }، فَقُولُوا: آمينَ، فإنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" ، أي من وافقه في الإجابة.