قوله تعالى: {وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} إلى آخر السورة.
قال ابن عباس ومجاهد: هي الخيل تعدو وهي [تحمعهم].
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: هي الإبل تغدو من عرفة إلى المزدلفة ومن مزدلفة إلى منى.
وقال محمد بن كعب القرظي: "العاديات ضبحاً": الدفع من عرفة، {فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً} إلى المزدلفة، {فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً} تغير حين تصبح، {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} هي يوم منى.
[وممن] قال هي الإبل أيضاً: ابن مسعود وإبراهيم وعبيد بن [عمير].
وقال عكرمة: "والعاديات ضبحاً" الفرس يصبح إذا جرى.
وقال عطاء الخراساني: "ليس شيء من الدواب يضبح غير الكلب والفرس".
وقال قتادة ومجاهد: هي الخيل تضبح. وهو قول سالم والضحاك. وهو اختيار الطبري، قال: "لأن الإبل (لا) تضبح، إنما تضبح الخيل.
وقال أبو صالح: الضبح من الخيل [الحمحمة]، ومن الإبل التنفس.
قال قتادة: [تضبح] إذا عدت، أي: [تحمحم].
قال الفراء: الضبح صوت أنفاس الخيل إذا عدت.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية إلى بني كنانة، فأبطأ عليه خبرها، فنزلت: {وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} بخبرها.
فهذا يدل على (أن) السورة مدنية.
وقيل: إن من قال هي الإبل، جعل [الحاء بدلاً] من عين، والأصل "ضبعاً" يقال: ضبعت الإبل.
وقوله تعالى: {فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً}.
قال عكرمة: هي الخيل.
[قال الكلبي]: تقدح بحوافرها حتى يخرج من حوافرها النار.
وقال عطاء: "أورت النار بحوافرها".
وقال ابن عباس: سألني علي عليه السلام عن "العاديات ضبحا فالموريات قدحا" فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم.
وعن ابن عباس أن قوله: {فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً}، عنى بذلك مكر الرجال.
وقاله مجاهد، [جعلاه] مثلاً للمكر.
وقال عكرمة: "هي الألسنة".
وقال عبد الله: هي الإبل تنسف بمناسمها الحصى فتضرب بعضه ببعض [فتخرج] منه النار.
ثم قال تعالى: {فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً}.
قال ابن عباس: هي "الخيل تغير في سبيل الله" وقاله مجاهد وعكرمة.
وقال قتادة: "أغار القوم بعدما أصبحوا على عدوهم".
وقال إبراهيم: هي الإبل حين يقبضون من جمع.
وكان زيد بن أسلم يتوقف عن تفسير هذه الأحرف ويقول: هي قسم أقسم الله بها.
ثم قال تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً}.
الهاء كناية عن الوادي وإن كان لم يتقدم له ذكر لأنه قد عرف المعنى، وقيل: عن المكان، والنقع؟ الغبار، فقد علم أنه لا يكون إلا في مكان، فأظهر المكان لعلم السامع به. والضمير في "أثرن" للخيل في قول مجاهد وعكرمة. وقال علي عليه السلام: هي الإبل [تثير] الغبار حين تطأ / الأرض بأخفافها.
ثم قال تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}.
أي: فتوسطن بركبانهن جمع القوم، قال عكرمة: "جمع الكفار" قال ابن عباس: "(هو) جمع القوم" وقال عطاء: (هو) "جمع العدو".
وقال مجاهد: "جمع هؤلاء وهؤلاء".
وقال الضحاك: جمع الكتيبة.
وقال عبد الله: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} "يعني مزدلفة".
وانتصب "ضبحاً"، لأنه مصدر في موضع الحال، وانتصب "قدحاً" على المصدر، وانتصب "صبحاً" على الظرف.
ثم قال تعالى: {إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أي: إن الكافر لنعم ربه لكفور. يقال: أرض كنود: التي لم تنبت شيئاً.
قال ابن عباس: ومجاهد، والحسن وقتادة: الكنود: الكفور.
قال الحسن: هو الذي يعد المصائب وينسى نعم ربه.
وقال أبو أمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الكنود؟ قلنا: [لا]، يا رسول الله، قال: الكنود: الكفور الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده" .
وعن الحسن أيضاً: الكنود: الأليم لربه، [يعد] المصائب، وينسى الحسنات.
وعنه أيضاً: الذي يذكر المصائب وينسى نعم ربه.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ}.
أي: وإن الله على كفر الإنسان لربه لشهيد، أي: شاهد.
ثم قال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.
[أي]: وإن الإنسان لحب الدنيا والمال لشديد الحب. وفي الكلام تقديم وتأخير. والتقدير فيه: إن الإنسان لربه لكنود، وإنه لحب الخير لشديد، وإنه على ذلك لشهيد.
قال قتادة: هذا من مقاديم الكلام.
ثم قال تعالى: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ}.
أي: أفلا يعلم الإنسان الذي تقدم ذكره {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ}، أي: أخرج ما فيها من الموتى [وأثير].
يقال: بعثر وبحثر بمعنى، أي [أثير] وأخرج.
وفي مصحف عبد الله: "وبحث".
قال ابن عباس: "بعثر": "بحث".
ثم قال تعالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ}.
أي: [بين] وميز.
وقال ابن عباس: "حصل"، (أي): أبرز.
وقال سفيان: "حصل"ميز"، أي: بين وميز ما فيها من خير وشر.
ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ}.
[أي]: بأعمالهم وأسرارهم يومئذ لذو خبر، وعلم لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على (جميع) ذلك يومئذ.