قوله تعالى: {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} إلى آخرها.
أي: قبوح لكل طغان (في الناس، عيّاب لهم).
وقيل: ويل: واد في جهنم يسيل بصديد أهل النار، وقد تقدم [ذكر هذا].
والهمزة: الذي يغتاب الناس ويطعن فيهم.
وقال ابن عباس: هو المشّاء بالنمائم المفرّق بين الناس.
وقال مجاهد: الهمزة: الذي يأكل لحوم الناس، (يعني: يغتابهم). قال: واللمزة: الكافر.
وعنه أيضاً أنه قال: "الهمزة الطعان، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس.
قال أبو العالية: "الهمزة يهمزه في وجهه، واللمزة من خلفه" وقال قتادة ([يهمز] ويلمز بلسانه) وعينه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وقال عبد الله بن أبي نجيح: الهمزة باليد والعين، واللمزة باللّسان.
وقال ابن زيد: الهمزة: الذي يهمز (الناس) بيده وقد يضربهم، واللمزة الذي يَلمِزُهُم بلسَانِه ويعيبهم.
وقيل: إنها نزلت في جميل بن عامر الجمحي.
وقيل: في الأخنس بن شريق.
قال ابن عباس: هو مشرك، كان يهمز الناس ويلمزهم.
وقال مجاهد: هي عامة.
ثم قال تعالى: {ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ}.
أي: جمعه وأحصى عدده ولم ينفقه في سبيل الله ولا أدى حق الله منه.
وقرأ الحسن: "وعَدَدَه"، بالتخفيف، يريد: عَدَّه، ثم أظهر التضعيف، وهو بعيد، إنما يجوز في الشعر، كما قال:
أَنِي [أَجوَدُ] لأَقْوَامٍ وَإِنْ [ضَنِنُوا].
وقيل: إنما قرأ ذلك على معنى: الذي جمع مالاً (وجمع) عدده، [أي]: عشيرته، فيكون عطفاً على المال، وذلك حسن.
ثم قال تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}.
أي: يظن هذا الجامع للمال ولا ينفقه في سبيل الله، ولا يخرج حق الله منه.
وقيل: {عَدَّدَهُ} من العدة، أي: [اعتد] به ودفعه ذخيرة، ومنه: { أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } [الكهف: 29].
وقيل: (إن) معنى (وعدده)، أي: كثره، يحسب أن ماله مخلده في الدنيا فلا يموت.
ووقع {أَخْلَدَهُ} في موضع "يخلده"، كما يقال للرجل يأتي الذنب الموبق: دخل، والله، فلان النار أي سيدخلها. ويقال للرجل يأتي المرء يهلك فيه: عطب، والله، فلان، أي: سيعطب.
وقيل: إن الفعلَ على حاله ماضياً، والمعنى: يحسب هذا الإنسان أن ماله أحياه في الدنيا فيما مضى من عمره. هذا معنى قول ابن كيسان.
ثم قال تعالى: {كَلاَّ...} أي: ليس الأمر كما ظن أن ماله يخلده في الدنيا، وهو التمام عند نافع وأبي حاتم ونصير.
والتمام عند الأخفش: {أَخْلَدَهُ}.
ثم قال تعالى: {لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ} أي: ليطرحن في النار، وهذا قسم.
والحطمة: اسم من أسماء النار، سميت بذلك لحطمها كل ما ألقي فيها، كما يقال للرجل الأكول: حُطَمةُ.
وقيل: الحطمة: اسم للباب الثالث من أبواب جهنم. وهي أبواب بعضها فوق بعضٍ تمضي سُفلاً سفلاً، أعاذنا الله منها.
وقرأ الحسن: "[لَيُنْبَذَان] في الحطمة"، يعني به الهمزة اللمزة وماله.
وروي عنه: "لينبذُن"، بالضم، على [معنى] الجمع، يعني به الهمزة واللمزة والمال.
وقيل: يعني به الهمزة واللمزة والذي جمع مالاً.
وفيه بعد، لأن ذلك كله في ظاهر الخطاب يرجع إلى واحد.
ثم قال تعالى: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ}.
أي: وأي شيء أشعرك يا محمد أي شيء الحطمة؟! ثم أخبر عنها ما هي فقال:
{نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ}.
(أي: هي نار الله الموقدة)، ثم وصفها فقال:
{ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ}.
أي: التي تُبلِغَ ألمها ووجعها القلوبَ. والاطلاع والبلوغ / قد يكونان بمعنىً، حكي عن العرب سمَاعاً: متى اطَّلعتَ أرضنا (واطلعتُ أرضي)، بمعنى: بلغت.
قال محمد بن كعب القرظي: تحرقه كله حتى يبقى فؤاده نضيحاً.
ثم قال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ}.
أي: إن الحطمة على الهمّازين اللّمازين - الذين جمعوا المال ومنعوا منه حقّ الله - مطبقة.
قال سعيد: بلغني أن في النار رجلاً في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام: يا حنّان يا منّان، فيقول ربّ العزّة تعالى ذكره: يا جبريل، أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة. قال: فيرجع فيقول: يارب، إنها عليهم مؤصدة. فيقول: يا جبريل فُكَّها وأخرج عبدي النار، قال: فيفكّها ويخرج مثل الجبل، فيطرح على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً.
عَمَد جَمع عمود عند الفراء، كما قالوا: أَدِيمُ وأَدَمُ.
وقيل: هو اسم للجمع وليس بجمع على الحقيقة.
وقال أبو عبيدة: هو جمع عمادٍ.
وقال قطرب: هو جمع لا واحد له.
فأما من قرأ "عُمُد"، بضمتين، فهو جمع عمود على القياس، كعجوز وعُجُز، وكتاب وكتُب، ورغيف ورُغُفٌ. وفعل وفعال أخوا فَعُول.
والمعنى: إن جهنم عليهم مطبقة بعمد ممدة عليهم.
وفي قراءة عبد الله: "موصدة بِعَمَدٍ ممدةٍ، أي: مغلقةٍ مطبقة بعمد ممددة.
وقال ابن عباس: (معناه) أنهم أدخلوها في عمد فمدت عليهم بعماد في أعناقهم السلاسل فشدت بها الأبواب.
وقال ابن زيد: (في عمد) [من] حديد مغلولين فيها، وتلك العمد (من) نار قد احترقت من النار، فهي نار ممدودة عليهم، وقال قتادة: كنا نحدث أنّها عمد يعذبون بها في النار وهو اختيار الطبري.
وقال أبو صالح: هي القيود.