التفاسير

< >
عرض

أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ
١
فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ
٢
وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
٣
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ
٤
ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ
٥
ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ
٦
وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ
٧
-الماعون

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } إلى آخرها.
يجوز، أن تكون "أرأيت" من رؤية العين، فلا يقدر في الكلام حذف. ويجوز أن يكون من رؤية القلب، فتُقَدّرُ الحذف للمفعول الثاني، والتقدير على ذلك: أرأيت الذي يكذب بالدين بعد / ما ظهر له من البراهين، أليس مستحقاً عذاب الله؟ ... والمعنى: أرأيت - يا محمد - الذي يكذب بثواب الله وعقابه؟! فلا تطعه في أمره ونهيه. قال ابن عباس: { ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } أي: بحكم الله جل ذكره. وقال ابن جريج { بِٱلدِّينِ }: بالحساب.
[والدين] عند أهل اللغة في هذا وشبهه بمعنى الجزاء، كما قال
{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [الفاتحة: 4]، أي: يوم الجزاء، ومنه قولهم: كما تدين تدان، أي كما تجزي تجازى.
فالمعنى: أرأيت يا محمد هذا الذي يكذب بالجَزاء فلا يعمل خيراً ولا ينتهي عن شر، فهو الذي يدع اليتيم، أي: يدفعه، لأنه لا ينتظر عقاباً على عَمله ولا جزاء.
ثم قال تعالى: { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } أي: فهذا الذي يدفع اليتيم [عن] حقه ويظلمه.
[يقال]: دعَعْت فلاناً عن حقه، فأنا أدعهُ دعَّا.
قال ابن عباس: "{ يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ }، أي: "يدفَعُ اليتيم.
وقال مجاهد: { يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ }، أي: يدفع اليتيم فلا يطعمه".
وقال قتادة: "يقهره ويظلمه". وقال إبراهيم بن عرفة: يدفع اليتيم عن حقه.
ثم قال تعالى: { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: لا يحض غيره على طعام المحتاج إلى الطعام.
ثم قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } أي: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل النار للسّاهين عن صلاتهم الذين يصلون ولا يريدون بصلاتهم وجه الله.
وقال ابن عباس: [هم] الذين يؤخرونها عن وقتها. وهذه رواية تخالف [قول] جميع المفسرين، وقد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهي من أشد آية نزلت في المصلين على هذا التأويل إن صح. وعن ابن عباس أيضا أنه قال: هم المنافقون، كانوا يراءون (الناس) بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعون المؤمنين العارية من الماعون بُغْضاً لهم.
وقال مجاهد: { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } هو "الترك لها". وعنه أنه قال: هم لاهون عنها.
وقال قتادة: هم غافلون لا يبالي أحدهم صلى أو لم يصل.
وقال ابن زيد: "يصلون وليس الصلاة من شأنهم".
وقال [سعد] بن أبي وقاص:
"[سألت] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } فقال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" .
ورَوى [أبو بزرة الأسلمي] "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - لما نزلت هذه الآية: الله أكبر هذه خير لكم من [أن لو أعطي] كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته وإن تركها لم يخف ربه" . وقال عطاء بن يسار: الحمد لله الذي قال: "عن صلاتهم ساهون" ولم يقل "في صلاتهم ساهون".
ثم قال تعالى: { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } الناس بصلاتهم إذا صلوا، لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب، ولا [خوفاً] من عقاب، إنما يصونها ليكفوا الناس عن دمائهم وأموالهم وذَرَاريهم، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك أكثر أهل التفسير.
ثم قال تعالى { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الماعون "الزكاة" وقاله ابن عمر، وقال ابن مسعود: هو المتاع يتعاطاه الناس بينهم. وهو قول ابن الحنفية وقتادة والحسن والضحاك وابن زيد، وذلك نحو الفأس والقدر والدلو. وقال ابن عباس: "هو متاع البيت. وروي ذلك (أيضا) عن علي رضي الله عنه. قال محمد بن كعب: "الماعُونَ: المعروف". وقال ابن المسيّب: "المَاعُونَ" بلسان قريش: المال". وحكى الفراء عن بعض العرب أنه قال: المَاعُونَ: الماء. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عمّا لا يحل أن يمنع فقال: "الماء والملح".
والمَاعُونَ في اللغة من المعْن، وهو الشيء القليل.