التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ
١
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ
٢
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ
٣
-الكوثر

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } إلى آخرها.
قال [ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما]: الكَوْثَرُ نهْر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة يجري على الدر والياقوت، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العَسَل /.
روى أنس
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين عرج به إلى السماء: رأيت نهراً عجّاجاً مثل السَّهْمِ يطرد، أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، حافتاه قباب من در مجوف فقلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا الكَوْثَرُ الذي أعطاكه ربك، (قال): فضربت [بيدي] إلى حمأته، فإذا هي مسكة ذفرة، ثم ضربت بيدي إلى [رضراضه فإذا هو] در" . وقالت عائشة رضي الله عنها: الكَوْثَرُ نهر في بطنان الجنة، قيل لها: وما بطنان الجنة؟ قالت: وسط الجنة، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصباؤه: اللؤلؤ والياقوت.
وعن أنس بن مالك أنه قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل عليهما السلام في السماء الثانية فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ والزبرجد فذهب ليشم ترابه فإذا هو مسك. قال: يا جبريل، ما هذا النُهْر؟ قال: الكوثر الذي خبأ لك ربك. وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: الكَوْثَرُ: "[الخير الكثير]".
وقال ابن جبير: النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه. وعن ابن عباس أيضا أنه قال: الكوثر هو الخير الكثير والقرآن والحكمة.
وقال عطاء: الكَوْثَرُ "حوض في الجنة أُعطيه النبي صلى الله عليه وسلم".
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر، حافتاه قِباب اللؤلؤ المجوَّف، فقال الملك الذي معي: أتدري ما هذا؟ [هذا] الكوثر الذي أعطاك الله، وضرب بيده إلى أرضه فاستخرج من طينه المسك" .
ثم قال تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }.
أي: [فحافظ] (على الصلوات المكتوبة) في أوقاتها.
وقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي ثم ينحر. وهو قول قتادة.
وقال محمد بن كعب القرطبي: إن ناساً كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأنزل الله هذه السورة. فالمعنى عنده: إنا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لله.
وقال ابن جبير: نزلت هذه الآية يوم الحديبية لما صد المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، أتاه جبريل وقال: صل وانْحر وارجع، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فخطب] خطبة الفطر والنحر، ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، فذلك قوله { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ }.
وهذا القول يدل على أن السورة مدنية، وقال الضحاك: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ }، أي: ادع ربك وأسأله.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: معنى { وَٱنْحَرْ }، ضع اليمين على الشمال في الصلاة.
وروي عنه: ضع اليمنى على الساعد الأيسر على صدرك.
وعنه أيضاً وعن أبي هريرة: يجعل يديه تحت السُّرة. وهذا مذهب الكوفيين.
وقيل: معنى { وَٱنْحَرْ } ارفع يديك إذا استفتحت الصلاة إلى النحر.
وقال ابن جبير: معناه فصل لربك المكتوبة، وانحر البدن يمنى. وقاله ابن عباس.
وحكى الفراء { وَٱنْحَرْ } استقبل القبلة بنحرك.
ثم قال تعالى: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي: إن مُبْغِضك يا محمد وعدوك هو الأبتر، أي هو الذي لا عقب له، عني بذلك العاصي بن وائل السهمي.
وقال قتادة: { هُوَ ٱلأَبْتَرُ } أي: هو الحقير الذليل. قال ابن زيد: قال رجل: إنما محمد أبتر ليس له - كما ترون - عقب، فأنزل الله: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }.
(وقيل: نزلت في عقبة بن أبي معيط، كان يقول: إنه لا يبقى لنبي الله صلى الله عليه وسلم ولد وهو أبتر فأنزل الله جل ذكره: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } وقال ابن عباس: "لما قدم كعب ابن الأشرف مكة أتوه - يعني قريشا - فقالوا له: نحن أهل السَّدانة والسقاية، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا [الصُّبُور] [المنبتر] من قومه، (يزعم أنه) [خير] منا، فقال: بل أنتم خير منه، ونزلت: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } قال: وأنزلت عليه
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّٰغُوتِ } [النساء: 51] إلى قوله: { نَصِيراً } [النساء: 52].
وعن ابن عباس أنها نزلت في أبي جهل قال: والمعنى أن عدوك أبا جهل هو الأبتر.