التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ
١
مِن شَرِّ مَا خَلَقَ
٢
وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ
٣
وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ
٤
وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
٥
-الفلق

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } إلى آخرها.
(قال زر: سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: قيل لي فقلت فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقاله ابن مسعود بمثله. ومعنى ذلك - والله أعلم - أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم عن إثبات "قل" في أولهما، فقال النبي عليه السلام: قيل: لي: "قُلْ أَعوذُ"، فقلت: [أي]: قيل لي: اقرأ { قُلْ أَعُوذُ } فقرأها، بإثبات "قل" على أنها أمر به. وكأنه كان يقال في غير هذه السور الثلاث: "قل ألَم نشرَحْ"، "قُل إنّا أنزَلناهُ".
وقيل في هذه الثلاثة: اقرأ: { قُلْ أَعُوذُ }، اقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ }، هذا بإثبات "قل" في ذلك، وقال أبي بن كعب وابن مسعود: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى: اقرأ - يا محمد - { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }.
قال ابن عباس: "الفلق: سجن في جهنم". قال بعض الصحابة: الفلق بيت في جهنم، إذا فتح هرب أهل النار، [كذا في كتاب عبد بن حميد]. وذكر ابن وهب أن كعباً قال: الفلق بيت في جهنم إذا (فتح) صاح جميع أهل النار من شدة حره أعاذنا الله منها.
وقال السدي: الفلق جب "في جهنم". وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال):
"الفلق جب في جهنم مغطى" .
وقال أبو عبد الرحمن [الحبلي]: هو جهنم.
وقال ابن عباس والحسن وابن جبير ومحمد بن كعب ومجاهد وقتادة وابن زيد: هو فلق النهار، يريدون فلق الصبح، وعن ابن جبير [أيضاً] أنه جب في النار.
والعرب تقول: هو أبين من فلق الصبح، ومن [فرق] الصبح يعنون الفجر، ويقولون لكل شيء أضاء من الأرض: فلق.
وعن ابن عباس أيضاً: الفلق: [الخلق].
وقوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }، أي: من شر كل ذي شر، أمر الله نبيه أن يتعوذ من شر (كل) ذي شر، لأن ما سواه - تعالى ذكره - مخلوق.
ثم قال تعالى ذكره: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
قال ابن عباس والحسن: الغاسق [الليل إذا أظلم].
وقال محمد بن كعب { غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }" النهار إذا دخل [في الليل].
وقال مجاهد: هو الليل [: إذا أظلم، وقال أيضاً]: إذا دخل.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: هو "كوكب".
وقال ابن زيد: كانت العرب تقول: الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون يكثران عند سقوطهما ويرتفعان عند طلوعها.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"النجم هو الغاسق" .
وقالت عائشة رضي الله عنها: "أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة، تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب، (هذا غاسق إذا وقب)" . وقال الزهري: الغاسق إذا وقب: "الشمس إذا غربت".
والمعروف في كلام العرب: وَقَبَ بمعنى دخَلَ.
ويقال: غَسَقَ: إذا أظلمَ، فالليل إذا دخل في ظلامه غاسقٌ، وكذا القمرُ إذا دخلَ في المَغيبِ للكسوف وغيره، وكذا النجم، [فالاستعاذة] عامة من [كل] هذا، فهو الظاهر.
ويقال: غَسَقَ إذَا أظلَمَ.
وقال القتبي: { إِذَا وَقَبَ }: هو القمر إذا دخلَ في ساهُوِرِهِ، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خسف. وكلّ شيء أسْوَدُ فهو غَسَقٌ.
قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة: الغاسق الليل.
قال الحسن: { إِذَا وَقَبَ }: إذا دخل على الناس.
قال عكرمة: تجلى فيه عفاريت الجنّ.
ثم قال تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }.
أي: من شرّ السواحر [اللاتي] ينفثن في الخيط حين [يَرْقِينَ] عليها.
قال ابن عباس: هو (ما) خلط السحر من الرُّقَى.
قال مجاهد: هو "الرُّقى فِي عُقَدِ الخَيْطِ".
وقال مجاهد: هو نَفْثُ "السواحرِ في العقد".
ويقال: إنهنّ نساء كنّ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سواحر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منهنّ، لأنهنّ يوهمن / أنهم [ينفعن] أو [يضرّن]، فربما لحق الإنسانَ في دينه مأثم. ويروى أنّ النبيَّ لمّا سُحِرَ عُقِدَت لهُ إحدَى عشْرة عُقْدَةً، فأَنزَلَ الله جلَّ ذكرُه إحدى [عَشْرَةَ] آيةً بِعَدَدِ العُقَدِ، وهي المَعُوذَتَانِ.
والنَّفْثُ يكونُ بالفَمِ [شَبيهٌ] بالنَّفْخِ، والتَّفْلُ لا يَكُونُ إلاّ معَ الرِّيقِ.
ثم قال: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
قال قتادة: معناه: "من شرِّ عَيْنِهِ وَنَفْسِهِ".
وقال ابن زيد: أُمِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ [يَسْتَعِيذَ] مِنْ شَرِّ اليَهُودِ الّذينَ حَسَدُوهُ، لَمْ يَمْنَعُهُم أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ إلاَّ [حسَدُهُم].
وقيل: هو لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ وبَناتِهِ منَ السَّواحِرِ.