التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٣
وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ
٥٤
قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
٥٥
وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٥٧
-يوسف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } - إلى قوله - { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } قوله: { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ }: "ما" في موضع نصب، استثناء، ليس من الأول.
والمعنى: إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه، فينجيه من اتباع هواه، وما تامر[ه] به نفسه. إن ربي ذو مغفرة عن ذنوب من تاب، (رحيم) (به) بعد توبته.
قوله: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ }، أمر ملك مصر الأعظم، وهو الوليد بن الريان بالإتيان بيوسف صلى الله عليه وسلم، لما تبين عذره. وقال: { أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي }: أي أجعله من خلصائي وخاصتي. { فَلَمَّا كَلَّمَهُ }: أي: { فَلَمَّا } كلم الملك يوسف صلى الله عليه وسلم علم براءته، وحسن عقله. قال له: يا يوسف { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }: أي: متمكن مما أردت، أمينٌ على ما ائتمنت عليه من شيء.
وقيل: أمين، لا تخاف عذراً. ثم قال (له): ما من شيء إلا وأنا أحب أن تشركني فيه إلا أهلي، ولا يأكل معي عبدي، فقال (له) يوسف، (صلى الله عليه وسلم): أتأنف أن آكل معك؟ وأنا أحق أن آنف منك، أنا ابن إبراهيم، خليل الرحمان، وأنا ابن إسحاق الذبيح، وابن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن.
قوله: { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ } - إلى قوله - { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } والمعنى: قال يوسف صلى الله عليه وسلم، للملك: "اجعلني على خزائن أرضك".
قال ابن زيد: فأسلم إليه فرعون سلطانه كله، فكان على خزائن الأطعمة، وغيرها من أمواله وعمله.
وروى مالك بن أنس، رضي الله عنه، عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله، قال: كان يوسف النبي عليه السلام لا يشبع فقيل له:
ما لك لا تشبع، وبيدك خزائن الأرض؟. قال: إني إذا شبعت نسيت الجائعين.
قوله: { إِنِّي حَفِيظٌ }: أي: لما وليت، { عَلِيمٌ } به. وقيل: (إن) المعنى: إني حافظ للحساب، عالم بالألسن.
وقيل: المعنى: إني حافظ / للأموال عالم بالموضع الذي يجب أن يجعل فيه مما يرضي الله، عز وجل، ولذلك سأل يوسف، (صلى الله عليه وسلم)، الملك في هذا ليتمكن له وضع الأشياء في حقوقها. فأراد بسؤاله الصلاح صلى الله عليه وسلم.
ثم قال (تعالى) { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ }: أي: في أرض مصر { يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ }: أي: يتخذ منزلاً أين شاء بعد الضيق والحبس. ومن قرأ بالنون، فمعناه: يصرفه في الأرض حيث يشاء.
{ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ }: من خلقنا كما أصبنا بها يوسف.
{ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }: أي: لا نبطل أجر من أحسن (عملاً) فأطاع ربه، (عز وجل).
قال ابن إسحاق: ولاه الملك عمل العزيز زوج المرأة، فهلك العزيز في تلك الليالي، وزوج الملك زوجة العزيز ليوسف.
وقال ابن إسحاق: فلما دخلت عليه قال: أليس هذا خيراً مما كنت تريدين؟ فقالت له: أيها الصديق لا تلمني، فإني كنت امرأة أوتيت كما ترى حسناً وجمالاً، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنت كما خلقك الله في حسنك، وجمالك، فغلبتني نفسي على ما رأيت.
قال ابن إسحاق: فذكر أنه وجدها بكراً فأصابها، فولدت رجلين. فولي يوسف مصر، وملكها، وبيعها وشرابها، وجميع أمرها.
ثم قال تعالى: { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }. والمعنى: ولثواب الآخرة خير لمن صدق، وآمن، وخاف عقاب الله عز وجل، واتقاه سبحانه مما أعطى يوسف في الدنيا من التمكين في أرض مصر.