تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: {وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ} - إلى قوله - {وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} المعنى: لما دخل إخوة يوسف عليه، قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به، فشكر لهم ذلك. ثم قال لصاحب ضيافته: أنزلهم رجلين في كل مسكنٍ، وأكرمهم، فبقي أخوهم: وهو شقيق يوسف. فقال لهم يوسف: إن هذا يبقى وحده، لا ثاني معه، فأنا أضمه إلى نفسي. فأنزله عنده، وضمه إليه. وقال له: أنا أخوك - يوسف - لا (تَبْتَئِسْ) (بشيء) من فعلهم، ولا تعلمهم بشيء مما أعلمتك به. وقيل: [إنه] لم يعترف له أنه أخوه، يعني: من النسب. وإنما قال له: أنا أخوك مكان أخيك الهالك. قاله وهب ابن منبه.
وإنما أخبره أنه يوسف بعد انصرافه وتركه عند يوسف.
ثم قال تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} والمعنى: أن يوسف لما حمَّل إبل إخوته الميرَةَ، جعل السقاية في رحل أخيه: وهو المكيال الذي كانوا يكتالون به، وهي المشربة التي يشرب بها [الملك] وكانت من فضة، وذهب تُشْبِهُ الملوك مُرَصَّعَةً بالجوهر.
وقيل: كانت شبه الكأس، فجعلها في رحل أخيه، والأخ لا يشعر. فلما ارتحلوا نادى مُناد: يا {أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} قيل: إنما قال لهم: {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}، وهم لم يسرقوا: يريد إنهم سرقوه، وباعوه، لأنهم سبب بيعه. وقيل: بل تركهم حتى مشوا، وخرجوا، ثم لحقوا، فقيل لهم: {أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}. قالوا: وما ذاك. قالوا: {صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ} وإنما دعاهم بالسرقة كلهم، لأن المنادي لم يعلم ما صنع يوسف.
وقيل: إنما فعله عن أمر يوسف فأعقبه الله عز وجل بقولهم له: { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } [يوسف: 77].
وقيل: إنما جا[ز] أن يقال لهم ذلك، لأنهم باعوا يوسف، فاستجازوا أن يخاطبوا بذلك.
وقيل: المعنى: حالكم حال السراق. وقرأ أبو هريرة "صَاعَ الملك".
وقال أبو رجاء "صوع الملك".
(قوله): {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ}: أي: (وقِرُ بَعير) من الطعام.
(قوله): {قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ} أي: لنعصي الله، ونسرق، وإنما ادعوا ذلك. وقالوا: "قد علمتم" لأنهم ردوا البضاعة التي وجدوا في رحالهم، إذ رجعوا وراء أخيهم. فالمعنى: "لو كنا سارقين ما رددنا البضاعة (التي وجدنا) في رحالنا".
وقيل: إنما قالوا ذلك لأنهم قد علموا اشتهار فضلهم بمصر، فنفوا عن أنفسهم ما قد رموا به.