التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ
١٥
مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ
١٦
يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ
١٧
-إبراهيم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } إلى قوله { عَذَابٌ غَلِيظٌ }.
والمعنى: واستفتحت الرسل على قومها لما كذبوهم: أي: استنصروا الله عليها لما وعدهم بالنصر على الأمم، وأنه يسكنهم الأرض من بعد الأمم.
هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
وقال ابن زيد: استفتحت الأمم بالدعاء، كقول قريش:
{ { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. وقد أعلمنا الله أن قوم هود استفتحوا، وقالوا لهود: { { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ (مِنَ ٱلصَّادِقِينَ) } [الأعراف: 70].
فالاستفتاح عنده مسألة العذاب.
وقد روي أنه قيل لقريش حين استفتحوا / العذاب: إن لهذا أجراً يؤخر إلى يوم القيامة، فقالوا:
{ { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } [ص: 16]: أي: عجل لنا نصيبنا من العذاب على (طريق) التكذيب به، (و) على هذا أتى قوله: { { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } [العنكبوت: 53] الآية.
وقوله: { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ }: أي: أهلك كل متكبر عن الإيمان معاند.
قال المفسرون: هو من امتنع أن يقول: لا إله إلا الله.
وقال قتادة: العنيد: الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله".
وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقاً.
وقيل: هو أبو جهل لعنه الله وُنَظَراؤُهُ.
ويقال: جبار بين الجبرية والجَبرِيَّة بكسر الجيم، والباء، والجَبْرَوُةُ والجَبْرُوَّة، والجبروت، والعنيد: المعاند للحق.
ثم قال تعالى: { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ }: أي: من وراء ذلك الجبار العنيد جهنم يردها: أي: من أمامه جهنم. كما يقال: إن الموت من ورائك، أي: من أمامك. وأصل "وراء": ما توارى عنك، وهو يصلح لخلف ولقدام، وليس هو من الاضداد.
وقوله: { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ }: الصديد: الدم، والقيح يتجرعه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي: يتحساه، ولا يكاد يزدرده من شدة كراهيته، أي: لا يقدر يبلعه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في قوله: { يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ }. قال يقرب إليه فيكرهه، فإذا دنا منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه. فإذا شربه، قطع أمعاءه، حتى يخرج من دبره. يقول: (الله تعالى):
{ { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [محمد: 15]، وقال: { { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [الكهف: 29].
ثم قال تعالى: { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }: أي: يأتيه الموت عن يمينه، وشماله، وخلفه، وقدامه.
وقيل: معناه: من كل مكان في بدنه من شدة عذابه.
{ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ }: أي: لا تخرج نفسه، والمعنى: يأتيه ما يُمات منه من كل جانب، وليس يموت.
قال: ابن جريج: "تعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فيموت، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه، فيجد لذلك راحة".
وقيل: المعنى { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }: أي "من تحت كل شعرة في جسده".
ثم قال: { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }: أي: من وراء ما هو فيه من العذاب، - يعني - أمامه (عذاب غليظ).
قال الفضيل: هو حبس الأنفاس.
وقال القرظي: محمد بن كعب: إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه، مات موتات، فإذا دنا منه مات موتات، فإذا شرب منه مات موتاتٍ. فهو قوله: { (وَيَأْتِيهِ) ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ }.