التفاسير

< >
عرض

يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ
٢٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ
٢٨
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ
٢٩
وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ
٣٠
قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ
٣١
-إبراهيم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } - إلى قوله - { وَلاَ خِلاَلٌ }.
ومعناه: يثبت الله الذين آمنوا به وبرسله وكتبه بقوله لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله: أي: يثبتهم (بذلك في الحياة الدنيا: أي: في قبورهم قبل قيام الساعة.
{ وَفِي ٱلآخِرَةِ }: قال البراء بن عازب: يثبت الله الذين آمنوا بالشهادة في القبر، إذ أتاهم الملكان، فقالا: من ربك؟ فيقول ربي (الله فيقولان) ما دينك؟ فيقول: دينـ(ـي) الإسلام، فيقولان من نبيك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم: فذلك القول الثابت في الحياة الدنيا.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن، وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك بيده مِطْرَاقٌ، فأقعده فقال (له): ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمناً: قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فيقول له: صدقت.
فيفتح له باب إلى النار، فيقال (له): هذا منزلك لو كفرت بربك. فأما إذ آمنت، فإن الله أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض فيقال له: اسكن، ثم يفسح له في قبره. وأما الكافر /، والمنافق، فيقال له: ماذا تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دَرَيْت، ولا تدريت ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت، فإن الله عز وجل أبدلك به هذا. ثم يفتح له باب إلى النار، ثم يقمَعُهُ الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله كلهم، إلا الثقلين. فقال (له) بعض أصحابه: يا رسول الله ما منا أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا يفشل عند ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ }"
الآية.
ولهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ زائدة على ما ذكرنا، وناقصة (عن) ما ذكرنا، والمعنى فيها قريب من الآخر.
وقيل: معنى الآية: يثبتهم الله في الحياة على الإيمان، حتى يموتوا عليه { وَفِي ٱلآخِرَةِ } المساءلة في القبر، قاله طاووس، وقتادة وهو اختيار جماعة من العلماء.
ومعنى { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ }: أي: لا يوفقهم في الحياة الدنيا إلى الإيمان، ولا في الآخرة عند المساءلة في القبر.
وقوله: { وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }: أي: بيده الهداية والضلالة يضل من يشاء فلا يوفقه، ويهدي من يشاء فيوفقه.
ثم قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ كُفْراً }: أي: غيّروا نعمة الله، وهي كون محمد صلى الله عليه وسلم من قريش وإرساله إليهم، فجعلوا النعمة كفراً.
قيل: نزلت في قتلى بدر من المشركين. وقيل: في كفار قريش كلهم.
قوله: { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }: أي: أنزلوا قومهم من مشركي قريش دار الهلاك. يقال: بار الشيء: إذا هلك، ثم بينها فقال: { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ }: أي: بئس المستقر لمن صلاها.
ووقيل: نزلت في المشركين يوم بدر قاله ابن عباس.
{ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ }: يعني: الذين اتبعوهم.
وقيل: نزلت في أهل مكة عامة: أسكنهم الله عز وجل حرمه، وآتاهم نعمه، وجعلهم قوام بيته. فبدلوا ذلك كفراً.
ثم قال تعالى: { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ }: أي: جعل هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفراً (لله) أنداداً: أي: شركاء. ({ لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ }) لكي يضلوا الناس عن سبيل الله.
أي: عن الإيمان بالله، وعن إخلاص العبادة لله.
ومن فتح الياء من "ليَضلوا" فالمعنى: أنه لما آل أمرهم إلى الضلال كانوا بمنزلة من فعل ذلك ليضل عن سبيل الله.
قال ابن مسعود: كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون نُصُباً، يعني: تمثالاً، تعبدها قريش من دون الله: فهي الأنداد.
ثم قال تعالى: { قُلْ تَمَتَّعُواْ }: أي: قل لهم يا محمد! تمتعوا في هذه الحياة الدنيا، وهذا على طريق التهدد، والوعيد.
{ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ }: أي عاقبتكم إلى النار تكون.
وقيل: معناه: إن الكافر لو كان في الدنيا مريضاً سقيماً، طول عمره لا يجد ما يأكل ولا (ما) يشرب لكان ذلك نعيماً عندما يصير إليه / من عذاب الآخرة. ولو كان المؤمن في الدنيا لا يعرض له سقم، ولا مرض طول عمره، يتنعم بأنعم ما يكون من مأكول (في) الدنيا، ويلبس أحسن ما يكون من اللباس لكان ذلك بؤساً عندما يصير إليه من نعيم الآخرة.
ثم قال تعالى: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ }:
ومعناه: قل يا محمد! لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوات الخمس بحدودها.
{ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ }: أي: مما خولناهم: يعني: الزكاة. سراً وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه، أي: لا يباع ما وجب عليه من العقاب بفدية (ولا عوض).
قال أبو عبيدة: البيع هنا: الفدية.
وقوله: { وَلاَ خِلاَلٌ }: أي: ولا مخالة خليل، فيصفح عمن استوجب العقوبة لمخاللته. والخلال مصدر خاللته، قاله الأخفش. (و) الخلال جمع خلة، وهو بمعنى: الصداقة.
وقال ابن عباس: { يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } يعني: الصلوات الخمس، { وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ }: يعني: زكاة أموالهم.