التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
٤٧
يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ
٤٨
وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ
٤٩
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ
٥٠
لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٥١
-إبراهيم

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

وقوله: { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } - إلى قوله - { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }، والمعنى: ولا تحسبن الله يا محمد مخلف رسله، وعده الذي وعدهم من عقوبة من كذبهم تثبيتاً منه تعالى لنبيه، عليه السلام ومعلماً، له به أنه سينزل سخطه على من كذبه.
{ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }: أي: إن الله لا يمتنع منه شيء أراد عقوبته { ذُو ٱنْتِقَامٍ } لمن كفر به وكذب رسله.
ثم أخبرنا تعالى، متى يكون هذا الانتقام، فقال { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ }: أي: ينتقم من الظالمين في هذا اليوم. ومعنى { تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ (غَيْرَ ٱلأَرْضِ) }: أي تصير هذه الأرض أرضاً بيضاء، كالفضة لم يسفك عليها دم، ولا عمل عليها خطيئة، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر حفاة، عراة، قياماً، كما خلقوا حتى يلجمهم العرق. قاله ابن مسعود، وأنس بن مالك، ومجاهد، والحسن.
وقال الحسن (رحمه الله) في حديثـ(ـه): والسماوات أيضاً كالفضة وعن عبد الله بن مسعود أنه، قال: تبدل الأرض ناراً يوم القيامة، والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. والذي نفس عبد الله بيده: إن الرجل ليفيض عرقاً حتى ترسخ في الأرض قدمه، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب. فقالوا: (مم) يا أبا عبد الرحمن؟ قال: مما الناس يلقون. وقال: (و) أولياء الله في ظل عرش الله. والذي نفس عبد الله بيده: إن جهنم / لتنظف على الناس، مثل الثلج حين يقع من السماء، والذي نفس عبد الله بيده إن عرقه ليسيح في الأرض تسع قامات، ثم يلجمه، وما ناله الحساب من شدة ما يرى الناس (و) يلقون.
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: تبدل الأرض من فضة، والجنة من ذهب.
وقال ابن جبير: تبدل الأرض خبزة بيضاء، يأكل المؤمن من تحت قدميه. وكذلك ذكر محمد بن كعب القرظي (رحمه الله).
وكذلك قال أبو جعفر بن محمد بن علي، (نضر الله وجهه): تبدل الأرض خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة، ثم قرأ
{ { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } [الأنبياء: 8].
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: تبدل الأرض بأرض من فضة، لم يعمل فيها الخطايا.
وقيل: تبديل الأرض: هو تسيير جبالها، وتهجير بحارها، وكونها مستوية:
{ { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [طه: 107]، وتبدل السماوات: انتثار كواكبها، وانفطارها، وانشقاقها، وتكوير شمسها، وخسوف قمرها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، ويمدها مد الأديم العُقاظي، لا ترى فيها عوجاً، ولا أمتأً، ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى. ما كان في بطنها كان في بطنها، وما كان على ظهرها كان على ظهرها. وذلك حين تطوى السماوات { كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } ثم يدحوهما ثم يبدلهما" .
"وسألت عائشة، رضي الله عنها، النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: إذا بدلت الأرض غير الأرض والسماوات، وبرزوا لله الواحد القهار. أين الناس يومئذ؟ قال: على الصراط" .
ومعنى { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }: وخرجوا من قبورهم أحياء لموقف الحساب بين يدي الله (عز جل).
{ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي: المنفرد بالقدرة على خلقه، الذي يقهر كل شيء.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: يجمع الله الخلائق كلهم في صعيد واحد، لأرض بيضاء، لم يعص الله فيها قط، ولم يخطأ فيها خطيئة. فأول ما يتكلم أن ينادي منادٍ:
{ { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16]؟، ثم يقول الله الواحد القهار: { { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [غافر: 17].
وعن علي (رضي الله عنه) أنه قال: تبدل الأرض (بأرض) من فضة، والجنة من ذهب.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: بلغنا، والله أعلم، أن الأرض تبدل بأرض بيضاء، لم يعمل عليها معصية، ولم يسفك عليها دم حرام.
ثم قال تعالى: { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ }: أي: وترى يا محمد الذين اجترموا في الدنيا الشرك بالله (مقرنين: أي) مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم.
{ فِي ٱلأَصْفَادِ }: أي: في الوثاق، من غل وسلسلة، أو قيد. وأحدها صفد كحبل. أو صفد كعدل والصفاد: القيد. /
وعن ابن عباس، رضي الله عنه: الأصفاد: الكبول، يعني القيود.
وعنه أيضاً (رضي الله عنه): الأصفاد: السلاسل.
قال الضحاك: (رحمه الله) الأصفاد: السلاسل.
وقال قتادة (رحمه الله): هي القيود، والأغلال.
وقال الحسن: ما في جهنم واد، ولا مغارة، ولا قيد، ولا سلسلة إلا واسم صاحبه عليه مكتوب.
ثم قال تبارك (و) تعالى: { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ }: أي قمصهم التي يلبسونها، واحدها سربال.
من قطران: قال الحسن (رحمه الله): هو قطران الإبل، ويقال قَطَرَان وقِطرَان بفتح القاف وكسرها.
وقرأ مجاهد،رحمه الله ، قطران (عليه) نحاس، ومثله عن ابن عباس. وعن ابن عباس، وعكرمة، (رحمة الله عليهما)، إنهما قرآ: (من) قِطْرٍ آنٍ: أي: من نحاس قد انتهى حره في الشدة، وقد قالوا قطران في الواحد، ولو جمع قطران، لقيل: قطارين كضربان وضرابين.
ثم قال تعالى: { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ }: أي: "تلفح وجوهه النار فتحرقها.
{ لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ }: أي: ما كسبت من الأثام في الدنيا (أ) ومن الحسنات.
{ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }: أي عالم بعلم كل عامل، لا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى معاناة وحساب. قد أحاط بها علماً.