التفاسير

< >
عرض

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
١٢٦
وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
١٢٧
إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
١٢٨
-النحل

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } إلى آخر السورة.
المعنى: وإن ظفرتم أيها المؤمنون بالمشركين فافعلوا بهم مثل ما فعلوا بكم
{ وَلَئِن صَبَرْتُمْ } عن عقوبتهم وأحسنتم [واحتسبتم] عند الله [عز وجل] ما نالكم منهم للصبر خير للصابرين.
وهذه الآيات الثلاث: نزلن بالمدينة دون سائر السورة. نزلت حين أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليمثلن بالمشركين إن ظفروا بهم كما فعل المشركون بحمزة وغير[ه] يوم أحد من التمثيل [بهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
"لما بلغه ما فعلوا بحمزة من التمثيل].
قال: لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلاً منهم"
. فلما سمع ذلك المسلمون قالوا: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب فأمرهم الله [عز وجل] أن يفعلوا بهم مثل ما فعلوا، ولا يتجاوزوا إلى أكثر، ثم أعلمهم أن الصبر وترك الانتقام بالمثلة خير وأحسن.
وقيل: إنها منسوخة بقوله: { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ }
وقيل: هي منسوخة بالقتال والأمر به، وإنما كان هذا خبر أمر الله [عز وجل] نبيه [صلى الله عليه وسلم] ألا يقاتل إلا من قاتله لقوله:
{ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [البقرة: 190] أي: تقاتلوا من لم يقاتلكم. فقال المسلمون إن قاتلونا وأظهرنا الله عز وجل عليهم لنمثلن بهم فنسخ ذلك في براءة بقوله { { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] وهذا القول: مروي عن ابن عباس.
ومن قال: إن هذه الآية محكمة، قال: عني بقوله { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } نبي الله [عز وجل] وحده ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال في براءة وهو قول ابن زيد.
وعن ابن سيرين والنخعي وسفيان: إن الآية عامة معناها من ظلم بظلامة فلا يحل [له] أن يأخذ من ظالمه أكثر مما ناله منه ولا يتجاوز إلى أكثر من حقه.
وروى أبو هريرة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حيث استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر قط إلى شيء كان أوجع منه لقلبه ونظر إليه، قد مثل به، فقال: رحمة الله عليك، فإنك كنت ما علمتك، فعولاً للخيرات، وصولاً للرحم، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى. أما والله، مع ذلك، لأمثلن بسبعين منهم. فنزل جبريل [والنبي صلى الله / عليهما] واقف بخواتم النحل" .
{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ [فَعَاقِبُواْ] } الآية. فصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكفر عن يمينه، ولم يمثل بأحد.
ثم قال تعالى: { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ }.
أي: اصبر يا محمد على أذى من أذاك، وما صبرك إذا صبرت إلا بمعونة الله [لك] وتوفيقه إياك لذلك.
{ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي: على هؤلاء المشركين الذين يكذبون ويمثلون بالمسلمين. { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي: لا يضيق صدرك من قولهم فيما جئتهم به أنه سحر، وأنه شعر، والمكر الخديعة. { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [أي: الذين اتقوا] محارمه { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } أي: الذين احسنوا فيما فرض الله عليهم.