التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ
١٩
وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ
٢٠
أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ
٢١
إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
٢٢
لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ
٢٣
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٤
لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ
٢٥
-النحل

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } إلى قوله { مَا يَزِرُونَ }.
المعنى: أنه تعالى نبه الخلق على معرفته بسرهم وضمائرهم وعلى نيتهم وأنه مَحَّصَ ذلك كله، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
ثم قال: { وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ }.
يعني: أوثانهم التي يعبدونها { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً } وهي مخلوقة، فكيف يعبد من لا يضر ولا ينفع ومن هو مخلوق مصنوع.
ثم قال: { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ }.
يعني: أوثانهم، أي لا أرواح لها.
ثم قال: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }.
أي: وما يشعر [هؤلاء الأوثان متى يبعث] المشركون. وقيل الضميران للمشركين، أي: وما يشعر المشركون متى يبعثون. وقوله: { أَيَّانَ } في موضع نصب. وهو مبني لأنه فيه معنى الاستفهام، ولذلك لم يعمل فيه ما قبله.
ثم قال تعالى: { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ }.
معناه: معبودكم الذي يستحق العبادة واحد، { فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } أي: منكرة ما يقص عليهم من قدرة الله [عز وجل] وتوحيده [سبحانه] وهم مستكبرون عنه.
ثم قال تعالى: { لاَ جَرَمَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }.
معناه: لا محالة ولا بد أن الله يعلم، وقيل معناه: حق أن الله يعلم سرهم وعلانيتهم، قال أبو إسحاق: و "لا" رد لفعلهم.
وقوله: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }.
أي: المستكبرين عليه أن يوحدوه ويكفروا بما دونه من الأصنام والأوثان. وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يجلس إلى المساكين ثم يقول { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ }. ورويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه] قال
" "من سجد لله سجدة فقد برئ من الكفر" .
ثم قال تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ }.
"ما" رفع بالابتداء و "ذا" بمعنى: الذي، خبر لـ "ما" و "أساطير" رفع على إضمار مبتدأ، أي: هو أساطير الأولين. والمعنى: وإذا قيل لهؤلاء الذين لا يؤمنون من المشركين ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: الذي أنزله هو ما سطره الأولون من قبلنا من الأباطيل. قال قتادة: أساطير الأولين أحاديث الأولين وأباطيلهم. قال: ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من يأتي نبي الله صلى الله عليه وسلم فإذا مر أحد من المؤمنين يريد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لهم أساطير الأولين / أي: أحاديثهم.
قال ابن عباس: نزلت في النضر بن الحارث، وكان من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. روي أنه خرج إلى الحيرة فاشترى أخبار العجم وأحاديث كليلة، وكان يقرؤها على قريش، ويقول: ما يقرأ محمد على أصحابه إلا أساطير الأولين.
ثم قال [تعالى]: { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } الآية.
هذه اللام في "ليحملوا" يجوز أن تكون لام الأمر، ويكون معنى الكلام التهدد والوعيد، ويجوز أن تكون لام كي فتتعلق بما قبلها.
ومعناها: أنهم يحملون ذنوب أنفسهم وذنوب من أضلوا وصدوا عن الإيمان بغير علم من غير أن ينقص من ذنوب من أضلوا شيء. ومثله قوله:
{ { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ [وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ] } [العنكبوت: 13].
وقد قال النبي عليه السلام:
"أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع، كان عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع، فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء" .
وقال زيد بن أسلم: بلغني، أنه يمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله [عز وجل] وجهاً وأنتنه ريحاً، فيجلس إلى جنبه، كلما أفزعه شيء زاده فزعاً، وكلما تخوف شيئاً زاده خوفاً. فيقول: بئس الصاحب أنت [ومن أنت]؟ فيقول: وما تعرفني؟ فيقول: لا. فيقول: أنا عملك كان قبيحاً فكذلك تراني قبيحاً، وكان منتناً فلذلك تراني منتناً. فتطأطأ لي حتى أركبك، فطال ما ركبتني في دار الدنيا، فيركبه. وهو قوله: { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ }.