التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٨
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ
٣٩
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
٤٠
-النحل

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } إلى قوله: { كُنْ فَيَكُونُ }.
معناه: وحلف هؤلاء / المشركون من قريش بالله جهد حلفهم لا يبعث [الله] من يموت بعد موته، وكذبوا في أيمانهم { بَلَىٰ } سيبعث الله من يموت بعد مماته. { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } أي: وعد عباده ذلك، والله لا يخلف الميعاد { وَلـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: أكثر قريش لا يعلمون أن الله يبعث الموتى بعد موتهم.
وتأول قوم من أهل البدع أن علياً رضي الله عنه يبعث قبل يوم القيامة بهذه الآية، فسئل عن ذلك ابن عباس، فقال: كذب أولئك، إنما هذه الآية للناس عامة، ولعمري لو كان علي مبعوثاً قبل يوم القيامة ما أنكحنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه.
قال أبو العالية: كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه وكان مما تكلم به المسلم أن قال: والذي أرجوه بعد الموت أنه لكذا. فقال المشرك: تزعم أنك تبعث بعد الموت؟ فأقسم بالله جهد [يمينه لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله عز وجل { وَأَقْسَمُواْ] بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } الآية. وقال أبو هريرة: قال الله عز وجل:
"يسبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له أن يسبني. وكذبني، ولم يكن ينبغي له أن يكذبني. فأما تكذيبه إياي: فقسمه بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت. فقلت { بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً }. وأما سبه إياي: فقال { إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } وقلت:
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [إلى آخر] السورة"
.
ثم قال تعالى: { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ }.
هذه اللام: متعلقة بالبعث المضمر بعد "بلى". والمعنى: بلى يبعثهم الله ليبين لهم اختلافهم. وقيل: هي متعلقة بـ "بعثنا" من قوله { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } ليبين لهم اختلافهم وأنهم كانوا من قبل الرسول على ضلالة، وليعلم الذين جحدوا بعث الأموات من قريش أنهم كانوا كاذبين في قولهم { لاَ يَبْعَثُ [ٱللَّهُ] مَن يَمُوتُ }.
وقال قتادة { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ } يعني: الناس عامة. والذي يختلفون فيه هو البعث: منهم من يقر به ومنهم من ينكره.
ثم قال تعالى: { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }.
معناه: إنما قولنا لشيء مراد، قلنا له كن فيكون. وهذا إنما هو مخاطبة للعباد بما يعقلون، وإلا فما أراده تعالى فهو كائن على كل حال، على ما راده من الإسراع. لو أراد، تعالى ذكره خلق الدنيا والسماوات والأرض وما بين ذلك في قدر لمح البصر، لقدر على ذلك. ولكن خوطب العباد بما يعقلون فأعلمهم بسهولة خلق الأشياء عليه وأنه متى أراد الشيء كان. وإذا قال [له] كن [فـ]ـكان، أي: فيكون على حسب الإرادة وليس هذا الشيء المذكور موجوداً قبل أن يقول له كن. وإنما المعنى: إذا أردنا الشيء قلنا من أجله كن أيها الشيء فيكون على قدر / الإرادة لأن المشركين أنكروا البعث فأخبرهم الله بقدرته على حدوث الأشياء. وهذا يدل على أن المعدوم يسمى شيئاً، لأنه قد سماه شيئاً قبل حدوثه. ومثله
{ { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [الإنسان: 1] فأما قوله: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم: 9] فمعنا[ه] لم تك شيئاً مذكوراً ولا موجوداً.
ومن إنكارهم البعث قوله:
{ { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة: 46] أي: كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون. وتحقيق الآية أنه أعلمهم أنه إذا أراد أن يبعث من مات فلا تعب عليه في ذلك لأنه إنما يقول له كن: فيكون ما يريد بلا معاناة ولا كلفة.
ومن رفع "فيكون" فعلى القطع، أي: فهو يكون. نصبه عطفه على "أن نقول" أي: أن يقول فيكون. ولا يجوز النصب على [الـ]ـجواب لـ "كن" لأنه خبر وليس بأمر.