التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ
٥١
وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ
٥٢
وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
٥٣
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ
٥٤
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
٥٥
-النحل

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } إلى قوله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
المعنى: قال الله لا تتخذوا لي شريكاً فلا تعبدوا معبودين { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } أي: معبود واحد، وأنا ذلك المعبود. { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ }. أي فاتقون وخافون. أمرهم الله [عز وجل] بذلك لأنهم قالوا في الأصنام:
{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] فأعلمهم أنه: لا يجوز أن يعبد غيره.
وقوله: "اثنين" تأكيد. كما قال: { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } فأكده بواحد.
وقيل / التقدير: اثنين إلهَين. فلما لم يتعرف معنى اثنين لعمومها في كل شيء بين بإلهين، وإذا تقدم إلهين لم يحتج إلى اثنين، لخصوص اللفظ بالألوهية.
ثم قال تعالى: { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.
أي: له ملك ما فيهما لا شريك له في ذلك.
{ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي: له الطاعة والإخلاص دائماً. قاله: ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك. ومنه قوله:
{ عَذابٌ وَاصِبٌ } [الصافات: 9] أي دائم، والوصوب الدوام. وعن ابن عباس أيضاً: الواصب: الواجب. قال مجاهد: الدين هنا: الإخلاص.
ثم قال تعالى: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ }.
أي: ترهبون وتخافون أن يسلبكم نعمة الله عليكم إذا أفردتم العبادة لله [سبحانه].
وقال الزجاج: معناه: أفغير الذي أبان لكم أنه واحد، وأنه خالق كل شيء تخافون.
ثم قال تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ }.
التقدير: وما حل بكم من نعمة فمن الله هي. وقال الفراء: التقدير: وما [يكن] بكم من نعمة. وقال قوم: "ما" بمعنى: الذي، فلا يحتاج إلى إضمار فعل. ودخلت الفاء في الخبر للإبهام الذي في "ما".
ومعنى الآية ما أعطاكم الله [سبحانه] من مال وصحة جسم وولد فهو من فضله، لا من فضل غيره.
{ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }.
أي: إذا مسكم في أبدانكم ضر وشدة، فإلى الله تصرخون بالدعاء، وبه تستغيثون في كشف ذلك [عنكم]. يقال: جأر، إذا رفع صوته شديداً من جوع أو غيره، والأصوات مبنية على فُعَال وعلى فَعِيل نحو الصراخ والخوار والبكاء. ونحو العويل والزفير، والفعال أكثر.
ثم قال تعالى ذكره: { [ثُمَّ] إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }.
أي ثم إذا وهبكم العافية وفرج عنكم إذا جماعة منكم يشركون بربهم. أي: يجعلون له أنداداً يعبدونها ويذبحون لها الذبائح شكراً لغير من أنعم عليهم بالفرج.
{ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ }.
ليجحدوا بما أتاهم الله [عز وجل] من نعمته، التي فرج عنهم بها.
{ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
هذا وعيد وتهدد من الله [عز وجل] لهؤلاء الذين تقدم وصفهم، أي: فتمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم وتلقون ربكم.
قال الزجاج: { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } هذا خاص لمن كفر.