تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } إلى قوله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
المعنى: قال الله لا تتخذوا لي شريكاً فلا تعبدوا معبودين { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } أي: معبود واحد، وأنا ذلك المعبود. { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ }. أي فاتقون وخافون. أمرهم الله [عز وجل] بذلك لأنهم قالوا في الأصنام: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [الزمر: 3] فأعلمهم أنه: لا يجوز أن يعبد غيره.
وقوله: "اثنين" تأكيد. كما قال: { إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } فأكده بواحد.
وقيل / التقدير: اثنين إلهَين. فلما لم يتعرف معنى اثنين لعمومها في كل شيء بين بإلهين، وإذا تقدم إلهين لم يحتج إلى اثنين، لخصوص اللفظ بالألوهية.
ثم قال تعالى: { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }.
أي: له ملك ما فيهما لا شريك له في ذلك.
{ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي: له الطاعة والإخلاص دائماً. قاله: ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك. ومنه قوله: { عَذابٌ وَاصِبٌ } [الصافات: 9] أي دائم، والوصوب الدوام. وعن ابن عباس أيضاً: الواصب: الواجب. قال مجاهد: الدين هنا: الإخلاص.
ثم قال تعالى: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ }.
أي: ترهبون وتخافون أن يسلبكم نعمة الله عليكم إذا أفردتم العبادة لله [سبحانه].
وقال الزجاج: معناه: أفغير الذي أبان لكم أنه واحد، وأنه خالق كل شيء تخافون.
ثم قال تعالى: { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ }.
التقدير: وما حل بكم من نعمة فمن الله هي. وقال الفراء: التقدير: وما [يكن] بكم من نعمة. وقال قوم: "ما" بمعنى: الذي، فلا يحتاج إلى إضمار فعل. ودخلت الفاء في الخبر للإبهام الذي في "ما".
ومعنى الآية ما أعطاكم الله [سبحانه] من مال وصحة جسم وولد فهو من فضله، لا من فضل غيره.
{ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }.
أي: إذا مسكم في أبدانكم ضر وشدة، فإلى الله تصرخون بالدعاء، وبه تستغيثون في كشف ذلك [عنكم]. يقال: جأر، إذا رفع صوته شديداً من جوع أو غيره، والأصوات مبنية على فُعَال وعلى فَعِيل نحو الصراخ والخوار والبكاء. ونحو العويل والزفير، والفعال أكثر.
ثم قال تعالى ذكره: { [ثُمَّ] إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ }.
أي ثم إذا وهبكم العافية وفرج عنكم إذا جماعة منكم يشركون بربهم. أي: يجعلون له أنداداً يعبدونها ويذبحون لها الذبائح شكراً لغير من أنعم عليهم بالفرج.
{ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ }.
ليجحدوا بما أتاهم الله [عز وجل] من نعمته، التي فرج عنهم بها.
{ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.
هذا وعيد وتهدد من الله [عز وجل] لهؤلاء الذين تقدم وصفهم، أي: فتمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم وتلقون ربكم.
قال الزجاج: { إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } هذا خاص لمن كفر.