تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } إلى قوله: { وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }.
أي: والله خلقكم أيها الناس فأوجدكم ولم تكونوا شيئاً، ثم يتوفاكم أي: يميتكم { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ }.
[أي]: ومنكم من يهرم فيصير إلى أرذل العمر، أي: إلى أرداه. وقيل: إنه يصير كذلك في خمس وسبعين سنة. قال علي بن أبي طالب [رضي الله عنه]: أرذل العمر خمس وسبعون سنة.
لكن المسلم إذا صار إلى أرذل العمر ازداد مع طول العمر عند الله كرامة وأجراً، كما قال [في] سورة والتين والزيتون: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين: 4] يعني: آدم خلقه في أحسن صورة، ثم قال: { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ } [التين: 5] يعني: الكافر من ولد آدم ثم استثنى المؤمنين من ولد آدم فقال: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 6]. أي: غير مقطوع عنهم وذلك إذا ضعف الرجل المسلم عن الصلاة النافلة والصيام النافلة وما هو رضى لله [عز وجل] أجرى الله [سبحانه] عليه ثواب ذلك في كبره ولذلك قال: { { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [التين: 8] أي: إذا فعل ذلك بالمؤمنين فهو أعدل العادلين.
ثم قال: { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً }.
أي: يرد إلى الهرم ليصير جاهلاً بعد أن كان عالماً. يعني: الخرف والخفة التي تدخل الشيوخ، وتحدث فيهم فيصيرون كالصبيان.
فهذا تنبيه من الله عز وجل للخلق أن الله [سبحانه] نقلهم من جهل إلى علم. ثم من علم إلى جهل، ومن ضعف إلى قوة، ثم من قوة إلى ضعف. فهو يقدر على أن ينقلكم من حياة إلى موت ثم من [موت إلى] حياة، فكل ذلك بيده.
ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }.
أي، أنه عليم [قدير] لا ينسى شيئاً ولا يتغير علمه بعلم ما كان وما يكون، قدير على ما يشاء.
ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ }.
أي: فضل بعضكم على بعض في الرزق الذي رزقكم في الدنيا فما الذين فضلهم الله [عز وجل] على غيرهم في الرزق براد[ي] رزقهم على مماليكهم فيستوون فيه [هم] و / مماليكهم، فهذا لا يرضونه لأنفسهم فيما رزقهم الله [عز وجل] من المال والأزواج [وقد جعلوا] عبيد الله [سبحانه] شركاء في ملكه، فجعلوا له ما لا يرضونه لأنفسهم.
هذا كله مثل ضربه الله [عز وجل] لهم في عبادتهم الأصنام من دون الله [سبحانه]. فهو خطاب وتوبيخ وتقريع للمشركين. فالمعنى أنتم لا يشـ[ـر]ككم عبيدكم فيما أنعم الله به عليكم من المال ولا ترضون بذلك لأنفسكم فتكونون أنتم وعبيدكم في ذلك سواء، فكيف رضيتم بأن جعلتم لله [سبحانه] شركاء من خلقه، فعبدتم معه غيره؟ فإذا كنتم تأنفون من مساواة عبيدكم بكم فيما في أيديكم [من رزق الله] فكيف رضيتم لرب العالمين بمساواة خلقه له فعبدتموهم؟
وقيل: عنى بذلك الذين قالوا المسيح ابن الله من النصارى.
ثم قال [تعالى] { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }.
[أي]: يجحدون نعمة الله عليهم فيجعلون له شركاء من خلقه. قال ابن عباس في الآية: معناها: لم يكونوا ليشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني، وهو معنى قول قتادة. وقيل: معنى الآية أن من فضله الله [عز وجل] في الرزق لا يشارك فيه مملوكه وهو بشر مثله، فكيف شركتم بين الله [عز وجل] وبين الأصنام فجعلتم له نصيباً وللأصنام نصيباً؟ فلم يحسن عندكم أن تشاركوا عبيدكم [فيما رزقهم] [وأنتم] كلكم بشر ويحسن أن تشاركوا بين الله [سبحانه] والأصنام وليست كمثله، لأنها مخلوقة. فإذا نزهتم أنفسكم عن مشاركة عبيدكم فيما رزقهم الله [سبحانه] فالله [عز وجل] أحق أن تنزهوه عن مشاركة الأصنام.
ثم قال تعالى: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً }، [أي]: والله خلق زوجة آدم من ضلعه، قاله: قتادة.
وقيل معناه: جعل لكم من جنسكم أزواجاً.
ثم قال: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً }.
قال ابن مسعود: الحفدة: الاختان. وهو قول ابن عباس وابن جبير. وعن ابن عباس: أنهم الأصهار. وقال محمد بن الحسن: الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه، والصهر من كان من قبل المرأة من الرجل. وقال ابن الأعرابي ضد هذا القول في الأختان والأصهار. وقال [الأ]صمعي الختن من كان من الرجال من قبل المرأة والأصهار منهما جميعاً، وقيل: الحفدة أعوان الرجل وخدمه.
وروي عن ابن عباس أنه سئل عن الحفدة في الآية فقال: من أعانك فقد حفدك. [و] قال عكرمة: الحفدة الخدام.
[و] عنه أيضاً الحفدة من خدمك من ولدك. وعن مجاهد أنه قال: الحفدة ابن الرجل وخادمه وأعوانه. وعن ابن عباس أيضاً هم ولد الرجل وولد ولده. وقال ابن زيد وغيره: هم ولد الرجل [و] الذين يخدمومه. وعن ابن عباس: أنه قال: هم بنو امرأة الرجل من غيره.
والحفدة: جمع حافد كفاسق / وفسقة، والحافد في كلام العرب المتخفف في الخدمة والعمل ومنه قولهم، وإليك نسعى ونحفد، أي: نسرع في العمل بطاعتك.
ثم قال [تعالى] { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ }.
أي: من خلال المعاش.
{ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ }.
أي: [أ]فبما يحرم عليهم الشيطان من البحائر والوصائل يصدق هؤلاء المشركون.
وقيل معناه: أفبالأوثان والأصنام يؤمنون.
{ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }.
أي: وبما أحل الله لهم من ذلك يكفرون، وأنعم عليهم بإحلاله لهم، هم يكفرون أي ينكرون تحليله ويسترونه.