تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ} إلى قوله {وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}.
والمعنى: ما عندكم أيها الناس مما تأخذونه على نقض الأيمان والعهود يفنى، وما عند الله باق لمن أوفى بعهده.
ثم قال: {وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ}.
أي: وليثيبن الذين صبروا على الطاعة في السراء والضراء بأحسن ما كانوا يعملون من الأعمال دون أسوئها.
ثم قال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
[أي]: من عمل بطاعة الله [عز وجل] وهو مصدق بثواب الله [عز وجل] وعقابه [جلت عظمته] فلنحيينه حياة طيبة: قال ابن عباس: الحياة الطيبة، الرزق الحلال في الدنيا، وكذلك قال الضحاك. وقال علي بن أبي طالب [رضي الله عنه]: هي القناعة في الدنيا. وعن الضحاك أنها أن يحيي مؤمناً عاملاً بطاعة الله. وعن ابن عباس أيضاً: أنها السعادة. وقال الحسن: هي الجنة ولا تطيب لأحد حياة دون الجنة، وهو قول قتادة ومجاهد.
وقوله بعد ذلك: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يدل على [أن] الحياة الطيبة في الدنيا هي، لأنه أخبر بما يفعل بهم في الدنيا ثم أعقبه بما يفعل بهم [في] الآخرة. ومعناه: لنجزينهم أجرهم في الآخرة بأحسن عملهم في الدنيا لا بأسوئه.
وروي: أن هذه الآية: نزلت بسبب قوم من أهل ملل شتى تفاخروا، فقال أهل كل ملة نحن أفضل، فبين الله [عز وجل] فضل هذه الملل بهذه الآية، وروى ذلك أبو صالح.
ثم قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ}.
معناه: إذا أردت يا محمد قراءة القرآن فاستعذ بالله. ومثله: إذا أكلت فقل بسم الله. أي إذا أردت الأكل. فحذف هذا لعلم السامع بمعناه. ومثله:
{ { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } [المائدة: 6] / الآية. أي: إذا أردتم القيام إليها. لأن الوضوء إنما يكون قبل الصلاة لا بعدها.
ثم قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ}.
أي: ليس له حجة على المؤمنين المتوكلين على الله [عز وجل] في مهم أمورهم المتعوذين به من الشيطان.
{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ}.
أي إنما حجته على الذين يعبدونه ويطيعونه {وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}، أي: [هم] بالله مشركون قاله مجاهد. وقيل: الهاء للشيطان أي: {وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} أي: [أ]شركوه في أعمالهم. وقيل معناه: والذين هم من أجله مشركون. قال سفيان: ليس له سلطان على أن يحمل المؤمن على ذنب لا يغفر. وقيل: الاستعاذة بالله تمنع الشيطان من أذى المؤمن. وقيل: إن قوله: {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} هو قوله:
{ { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الحجر: 40] فهؤلاء لم: يجعل للشيطان عليهم سبيلاً.