التفاسير

< >
عرض

إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً
٩
وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٠
وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً
١١
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } إلى [قوله]: { فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }.
المعنى: أن هذا القرآن يا محمد يرشد من اهتدى به للحال التي هي أقوم الحالات أي: أصوبها. وذلك دين الله [سبحانه] المستقيم وتوحيده [جلت عظمته] والإيمان بكتبه ورسله وهو مع هدايته يبشر المؤمنين العاملين الأعمال الصالحة أن لهم أجراً كبيراً وهو الجنة /.
وكل شيء في القرآن أجر كريم وأجر كبير ورزق كريم فهو الجنة. وقيل: المعنى: ويبشر [الله] المؤمنين بذلك. قال مقاتل وغيره: التي هي أقوم شهادة أن لا إله إلا الله. وقيل معناه يهدي للخصال التي هي أصوب مما أمر الله [عز وجل]، ودعا إليه ووعد عليه العطاء الجزيل والثواب العظيم وعلى هذا أكثر المفسرين. ولا إله إلا الله أصل الخصال الحسنة وأعظم ما دعا الله إليه عباده وندبهم إلى اعتقاده فهي العروة الوثقى والكلمة المنجية من العذاب.
ثم قال [تعالى]: { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ }.
أي: لا يصدقون بها أعددنا لمقدمهم على ربهم عذاباً أليماً، أي: مؤلم وموجع، وذلك عذاب جهنم [أعاذنا الله منها].
ثم قال: { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ }.
المعنى: ويدع الإنسان على نفسه وولده وماله بالشر دعاء مثل دعائـ[ـه] ربه [عز وجل] بالخير. أي: يسأل أن يهلك نفسه وولده وماله إذا غضب كما يسأل أن يحييه ويحيي ولده ويثمر ماله إذا رضي، فلو استجاب له في الشر كما يستجيب له في الخير لأهلكه.
ثم قال: { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً }.
أي: يعجل على نفسه بالدعاء، ولا يعجل الله [عز وجل] عليه بالإجابة. وروي أنها نزلت في النضر بن الحارث [بن] علقمة كان يدعو ويقول:
{ { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. وكان يدعو على نفسه بالشر كما يدعو [لها] بالخير. { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } أي: عجلة النضر بالدعاء على نفسه، كعجلة آدم حين نهض [قبل] أن يجري فيه كله.
وقال ابن عباس: لما نفخ الله [عز وجل] في آدم من روحه فدارت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري منها شيء في جسده إلا صار لحماً [ودماً]. فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده [فأعجبه] ما رأى من حسنه فذهب لينهض فلم يقدر فهو قوله: { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } فالإنسان هنا في موضع الناس. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى سودة بنت زمعة أسيراً، فجعل يئن من الليل. فقالت له: ما بالك تئن؟ فشكى إليها ألم القد. فأرخت كتافه. فلما نامت أخرج يده وهرب. فلما أصبح النبي [صلى الله عليه وسلم] دعا به، فأعلم شأنه. فقال: اللهم اقطع يدها، فرفعت سودة يدها تتوقع الاستجابة، أن يقطع الله يدها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني سألت [الله] أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة، لأني بشر أغضب كما يغضب البشر، فلترد سودة يدها
ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ }.
معناه: أن الله [عز وجل] عرف عباده نعمه عليهم، / فمن نعمه [أن] جعل الليل مخالفاً للنهار ليسكنوا في الليل ويتصرفوا في معائشهم [التي قدرت لهم] بالنهار، وليعلموا عدد [السنين والحساب أي: عدد] سنينهم وحساب ساعات الليل والنهار.
ومعنى { آيَتَيْنِ } أي: جعلنا الليل والنهار علامتين.
فعلامة النها[ر] الشمس وعلامة الليل القمر { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }. أي: بيناه [تبييناً] بياناً شافياً.
وقوله: { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ }، أي: لم يجعل للقمر ضياء ونوراً كالشمس وقوله: { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } أي: مضيئة، وهي: الشمس.
والمحو الذي في القمر هي اللطخة التي تظهر فيه للمتأمل، ويروى أن الله جل ذكره أمر جبريل عليه السلام، فأمرَّ بجناحه على القمر فصار فيه المحو الذي فيه. وقد كان ضياؤه مثل الشمس أو أشد، ولكن الله جل ذكره فرق بينهما ليعرف الليل من النهار، وليعلم عدد السنين والشهور، والأجل، والحج وغير ذلك.
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"خلق الله [عز وجل] شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً فإنه جعلها مثل الدنيا على قدر ما بين مشارقها إلى مغاربها. وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمراً فإنه جعلها دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض. ولو ترك الله القمر كما خلقه أول مرة لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولا عدد الأيام ولا الشهور، فأرسل جبريل [عليه السلام] إلى القمر فأمرَّ جناحه على وجه القمر وهو يؤمئذ شمس، ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي منه النور فذلك قوله: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } الآية" . فالسواد الذي يرون في القمر أثر المحر.