التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً
٣٣
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً
٣٤
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ } إلى قوله: { كَانَ مَسْؤُولاً }.
أي: لا تقتلوا نفساً قد حرّم الله [عز وجل] قتلها. "إلا بالحق" / أي: إلا أن تكفر بعد إسلام، أو تزنى بعد إحصان، أو قوداً بنفس.
وقوله: { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً }.
أي: جعلنا له نصراً وحجة على أخذ الثأر ممن قتل وليّه فإن شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية. فإذا عفا بعض الورثة لم يقتل القاتل. والمرأة في ذلك والرجل سواء إذا كانا وارثين، هذا قول الشعبي وعطاء وطاووس والنخعي والثوري والشافعي وابن حنبل. فإن كان في الورثة صغيراً استوني بالقتل حتى يبلغ، فإن عفا لم يقتل وإن لم يعف قتل، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى. وابن شبرمة. والثوري وأحمد وإسحاق.
وقال الحسن البصري وقتادة: لا عفو للنساء وإن كن وارثات.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المرأة اختلاف، وروي عنه أنه قال: لا عفو للزوج، وعنه: لا عفو للمرأة في الدم.
وقال الليث وربيعة والأوزاعي ليس للنساء عفو في دم ولا قسامة.
وقال مالك إذا كان ورثة المقتول بنين وبنات فعفت إحدى البنات لم يجز عفوها، فإن عفا أحد البنين جاز العفو وأخذت الدية ويرثها الورثة على قدر موارثهم من الميت، ويقضي عن الميت من الدية دين إن كان عليه.
وقوله { وَلِيِّهِ } يحتمل واحداً وجماعة، كما قال:
{ { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 2].
ومعنى: { وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً } أي: من قتل على غير المعاني المتقدم ذكرها. وقال الشافعي: إذا عفا الولي استحق أخذ الدية.
ثم قال تعالى: { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ }.
أي: لا يقتل الولي غير قاتل وليه. لأن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك: يقتل الرجل الرجل فيقتل أولياء المقتول أشرف من القاتل ويتركون القاتل، فنهى الله [عز وجل] عند ذلك بقوله: { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ } أي لا يسرف الولي.
ومن قرأ بالتاء، جعله مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده. وقيل هو مخاطبة للقاتل ألا يقتل غيره فيسرف في ذلك فيناله القتل.
وقيل: معنى { فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ } لا يمثل ولي المقتول بالقاتل، بل يقتله كما قتل وليه، قاله قتادة.
وقيل: معناه لا يقتل اثنان بواحد.
والهاء في "أنه" تعود على المقتول، فتعود الهاء على "من" قاله مجاهد. فيكون المعنى: إن المقتول كان منصوراً بوليه.
وقال قتادة: الهاء للولي. أي: [بأن الولي] كان منصوراً.
وقيل: الهاء تعود على الدم. أي: [إن] دم المقتول كان منصوراً على القاتل.
وقال الفراء: الهاء تعود على القتل أي القتل كان منصوراً.
وقال أبو عبيدة الهاء للقاتل [أي]: إن القاتل كان منصوراً إذا قيد منه في الدنيا وسلم من عذاب الآخرة بقتله.
ثم قال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.
أي: لا تأكلوا أموال اليتامى إسرافاً وبداراً أن يكبروا ولكن / أقربوها بالإصلاح والتثمير لها.
قال قتادة: لما نزلت هذه الآية، اشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فكانوا لا يخالطوهم في طعام ولا أكل ولا غيره. فأنزل الله [عز وجل].
{ { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } [البقر: 220] فكانت هذه رخصة لهم في المخالطة.
وقال مجاهد: معنى الآية: لا تقربوا مال اليتيم فتستقرضوا منه { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } التجارة لهم فيها.
وقوله: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ }.
قال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك بن أنس: الأشد: الحلم. ومعناه في اللغة: حتى يبلغ وقت اشتداده في العقل وتدبير ماله وصلاح حاله في دينه. وأن يكون مع ذلك في غير ذي عاهة في عقل وأن يكون حاز ما في ماله. وكذلك الأشد في قصة يوسف [عليه السلام] هو الحلم، فأما الأشد في [قصة] موسى [عليه السلام] فقيل: هو بضع وثلاثين سنة. و "استوى" بلغ أربعين سنة.
و [قيل]: الأشد هنا ثمان عشرة سنة.
والأشد، عند سيبويه، جمع واحد[ه]: شَد كقَد وأقدُ. وهو عند غيره اسم مفرد.
ثم قال [تعالى]: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }.
أي: مسؤولاً عنه من نقضه. أي: أوفوا بما عاهدتم عليه الناس من صلح أو بيع أو شراء. إن الله سائل ناقض العهد عن نقضه إياه، وقيل: مسؤولاً: مطلوباً. ومن العهد الذي أمر الله [عز وجل] بوفائه الوقوف عند أمره ونهيه والعمل بطاعته ومنه جميع ما أمر الله [عز وجل] به في هذه الآية قبله ونهى عنه.