التفاسير

< >
عرض

وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً
٤
فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً
٥
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً
٦
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ } إلى قوله: { أَكْثَرَ نَفِيراً }.
معنى القضاء في اللغة: أحكام الشيء والفراغ منه. فمعنى الآية: وفرغ ربك إلى بني إسرائيل فيما أنزل من كتابه إلى موسى [صلى الله عليه وسلم] إنكم يا بني إسرائيل تعصون الله وتخـ[ـا]لفون أمره وتستكبرون عليه استكباراً شديداً مرة بعد مرة. قال ابن عباس وابن زيد: { وَقَضَيْنَآ [إِلَىٰ بَنِي] إِسْرَائِيلَ } أعلمناهم بذلك في كتابهم.
وقيل: معناه: إن ذلك سبق في أم الكتاب عليهم أنهم يفسدون ويخالفون أمر الله [سبحانه] ويستكبرون في الأرض مرتين. قاله قتادة.
وروي [ذلك] أيضاً عن ابن عباس قال: [قضاء] قضاه الله [عز وجل] على القوم كما تسمعون. قال مجاهد: دخلت على ابن عباس فقلت: إن على الباب رجل يقول في القدر. فقال: ادخلوه علي. فقلت ما تريد به؟ قال: اقرءوا عليه قول الله: { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } قال فقضى عليهم ليفسدن في الأرض مرتين وليعلن علواً كبيراً قبل أن يخلقهم، فقضى عليهم ما علم أنهم عاملون، وكتبه عليهم ففعلوه.
قال ابن عباس وابن مسعود: كان إفساد بني إسرائيل [في الأرض] في أول مرة قتل زكرياء [صلى الله عليه وسلم] فبعث الله [عز وجل] عليهم ملك [الــ]ـنبط. فبعث إليهم الجنود من أهل فارس، فهم أولوا بأس شديد. / فتحصنت بنو إسرائيل وخرج فيهم بختنصر يتيماً مسكيناً، خرج يستطعـ[ـم] وتلطف حتى دخل المدينة. فأتى مجالسهم فسمعهم يقولون: لو علم عدونا ما قذف في قلوبنا من الرعب بذنوبنا ما أرادوا قتالنا، فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم واشتد القيام على الجيش فرجعوا فذلك قوله: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } الآية: ثم إن بني إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم فاستنفدوا ما في أيديهم، فذلك قوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } الآية. و "نفيراً" معناه عدداً.
وقال ابن زيد: كان إفسادهم الأول قتل زكرياء، والثاني قتل يحيى. فسلط الله عليهم سابور ذا الاكتاف، وهو ملك من ملوك فارس، في قتل زكرياء، وسلط عليهم بختنصر في قتل يحيى.
وقال قتادة: بعث عليهم أول مرة جالوت والثانية بختنصر.
ومعنى قوله: { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا } أي: أول المرتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل، أي أو[ل]. الفسادين.
وقوله: { فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ }.
أي: ترددوا بين الدور والمساكن وذهبوا وجاءوا.
وقال ابن عباس: "جاسوا" مشوا. وقال الزجاج: الجوس طلب الشيء باستقصاء. فمعناه: طلبوا هل يجدون أحداً.
وقال بعض أهل اللغة: معنى "جاسوا" قتلوا.
وقوله: { وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً }.
أي: كان جوس القوم خلال ديار بني إسرائيل وعداً من الله [عز وجل]، لا يخلف. قال ابن عباس وقتادة: أتاهم في المرة الأولى جالوت فجاس خلال ديار بني إسرائيل وضرب عليهم الخراج والذل. فسألوا الله [عز وجل] أن يبعث إليهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله. فبعث الله طالوت. فقاتلوا جالوت، فنصره الله، وقتل جالوت، على يدي داوود ورد الله [عز وجل] إلى بني إسرائيل ملكهم.
وعن مجاهد أنه قال: جاءهم بختنصر في أول مرة من جهة فارس فهزمهم بنو إسرائيل، ثم رجعوا ثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمر[و]هم تدميراً، وجلوهم عن بيت المقدس فلم يصلوا إلى دخوله سبعين سنة.
وروي عن مجاهد أنه قال: إنما جاءهم في أول مرة قوم من أهل فارس معهم بختنصر يتجسسون أخبارهم ثم رجعت فارس وقد وعى بختنصر أخبارهم دون أصحابه، ولم يكن قتال.
وقيل: إنما جاءهم في المرة الأولى، أي: بختنصر ومن معه من جبابرة فارس، بعثه الله نقمة لهم حين أفسدوا وقتلوا يحيى بن زكرياء. ويروى: أن يحيى كان قد قال لهم: إياكم أن يقع من دمي شيء في الأرض فتهلك بنو إسرائيل. فذبحوه واحتفظوا بدمه، فجعلوه في طست من ذهب. فوقعت منه نقطة في الأرض / فما زالت تفور وتغلي حتى هجم عليهم بختنصر.
فيروى: أنه ذبح على ذلك الدم سبعين ألفاً من بني إسرائيل، فهدأ الدم. وسبى بني إسرائيل حتى سبى أبناءهم وخرج بهم إلى أرض العراق.
ويروى: أن الفساد الثاني الذي ارتكب بنو إسرائيل هو قتلهم زكرياء ويحيى عليهم السلام بعد أن أقاموا في الدعة والسلامة عشرين ومائتي سنة. فأرسل عليهم من قتلهم وسباهم، وحرق بيت المقدس وأخرجه. فلم يزل الذين ظهروا عليهم ببيت المقدس حتى فتحه الله عز وجل في زمان عمر رضي الله عنه وفيه الروم فقتلوا وأخرجوا منه إلى الآن لا يدخلونه إلا مستخفين.
وقوله: { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ }.
قال السدي: هي ما نصر الله عز وجل بني إسرائيل، إذ غزوا النبط، فأصابوا منهم واستنقدوا ما في أيديهم.
وقيل: هو إطلاق الملك الذي غزاهم [ما في يديه من] أسراهم ورد ما كان أصاب من أموالهم من غير قتال، سخره الله عز وجل لذلك فهو رد الكرة لبني إسرائيل.
وقيل: هي نصر الله عز وجل إياهم على جالوت حتى قتلوه.
وقوله: { وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }.
أي: عدد[اً]، وذلك في أيام داود.