التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً
٦٢
قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً
٦٣
وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً
٦٥
-الإسراء

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } إلى قوله: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }.
المعنى: قال إبليس أرأيتك يا رب هذا الذي كرمت علىّ. أي: فضلته علي وأمرتني بالسجود له { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ }. أي: أخرت هلاكي إلى يوم القيامة، يريد النفخة الثانية، وهي التي لا يبقى بعدها أحد إلا الله جل ذكره، فأتى الله [سبحانه] ذلك عليه. وقال إنك
{ { مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [الحجر: 37-38] وهي: النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق. وبين النفختين أربعون سنة.
قوله: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }.
أي: لأستولين عليهم، قاله: ابن عباس. وقال ابن زيد: لأحتنكن لأضلن.
فهو مأخوذ من قولهم: احتنك الجراد الزرع. إذا ذهب به كله. وقيل هو من قولهم: حنك الدابة يحنكها إذا ربط حبلاً في حنكها الأسفل وساقها، حكاه ابن السكيت. وحكى: [احتنك] دابته بمعنى احنك، فيكون المعنى على هذا الاشتقاق لأسوقنهم كيف شئت. وإنما قال إبليس هذا: لما قال الله [عز وجل] { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً }.
ثم قال تعالى: { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ }.
أي: اذهب فقد أخرتك إلى يوم القيامة، فمن تبعك من ذرية آدم وأطاعك { فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ }، أي: جزاؤك وجزاؤهم، أي: ثوابك على دعائك إياهم إلى معصيتي، وثوابهم على اتباعهم إياك { جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي: مكملاً.
وقال مجاهد: "موفوراً" [أي] موفراً. وقيل موفوراً مكملاً.
ثم قال تعالى: { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ }. المعنى: واستخف من استطعت منهم، واستجهل ونحوه. ومعنى "بصوتك": عند مجاهد أنه صوت الغناء واللعب. وقيل معناه: بدعائك إياهم إلى طاعتك. وقال ابن عباس: صوته كل داع دعا إلى معصية الله [سبحانه]، وهو قول قتادة. وقيل: صوت المزمار.
وقيل: هو كل متكلم من غير ذات الله [عز وجل] فهو صوت الشيطان، وكل راكض في غير ذات الله [سبحانه] فهو من [خيل] الشيطان. وكل ماش في غير ذات الله [جلت عظمته] فهو من رجل الشيطان.
وقيل معنى: { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ }، أي: أجمع عليهم / من ركبان جندك ومشاتهم يدعونهم إلى طاعتك، يقال: قد أجلب فلان على فلان إجلاباً إذا صاح عليه، والجلبة الصوت.
وقال قتادة: إن له خيلاً ورجلاً جنوداً من الجن والإنس يطيعونه. وقال ابن عباس: خيله كل راكب في معصية الله [سبحانه] ورجله كل راجل في معصية الله [تعالى].
ثم قال [تعالى] { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ }. يعني: الأموال التي أصابوها من غير حلها. قاله مجاهد. وقال الحسن: هي أموال أعطاها الله [عز وجل] لهم فأنفقوها في طاعة الشيطان. وقيل: هو ما كان المشركون يحرمونه من أموالهم يجعلونه لغير الله [سبحانه] مثل البحائر والوصائل والحامي وغير ذلك، روي ذلك عن ابن عباس، وقال الضحاك: هو ما كان المشركون يذبحون لآلهتهم.
فأما مشاركته في الأولاد لهم. فقال ابن عباس: يعني أولاد الزنا، وهو قول مجاهد والضحاك. وعن ابن عباس أيضاً أنه قتلهم لأولادهم، وقال قتادة: هو إدخالهم أولادهم في دينهم وما يعتقدون من الكفر، وهو قول الحسن.
وعن ابن عباس، أيضاً: أنه تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد العزيز.
ثم قال تعالى: { وَعِدْهُمْ }
أي: عِدْهُمُ النَّصْرَ على من أرادهم بسوء
ثم قال: { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }.
أي: ما يغني عنهم من عذاب الله [عز وجل] من شيء. وهذا كله من الله وعيد وتهديد لإبليس عليه اللعنة. ومثله
{ { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [فصلت: 40]. وقيل: إنما أتى هذا على وجه التها[ون] بإبليس وبمن اتبعه.
ثم قال: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }.
أي: إن الذين أطاعوني واتبعوا أمري { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }" أي: حجة.
وقيل: الآية عامة في كل الخلق فلا حجة [له] على أحد من الخلق توجب أن يقبل منه، هذا قول: ابن جبير.
وقيل: المعنى أن كل الخلق لا تسلط لك عليهم إلا بالوسوسة.
ثم قال تعالى: { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }.
أي: وكفى بربك يا محمد حافظاً لك. وقال قتادة: "وكيلاً": كافياً عباده المؤمنين. وقيل: معناه منجياً مخلصاً من الشيطان.