تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } إلى قوله: { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }.
المعنى: وما منع مشركي قومك يا محمد من الإيمان بالله { إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } إلا قولهم جهلاً منهم { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً }. كأنهم استبعدوا أن يبعث الله رسولاً من بني آدم فكفروا ولم يؤمنوا كذلك ولم يعلموا أن الأنبياء كلهم كانوا من بني آدم.
ثم قال تعالى: { قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً }.
أي: لو كان سكان الأرض ملائكة لجاءهم الرسول من الملائكة مثلهم. لأن الملائكة إنما تراهم أمثالهم من الملائكة ومن خصه الله [عز وجل] من بني آدم بذلك، فكيف يبعث [الله] إليهم من الملائكة رسولاً وهم لا يقدرون على رؤية ذلك وإنما يرسل إلى كل صنف من جنسه فهذا هو العدل.
ومعنى: "مطمئنين" مستوطنين الأرض. وقيل: [معنى] "مطمئنين": لا يعبدون الله ولا يخافونه مثلكم.
ثم قال تعالى: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }.
أي: قل لهم يا محمد: { كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فإنه نعم الكافي.
و "شهيداً" حال، أي: كفى بالله في حال الشهادة. وقيل هو تمييز أي كفى بالله من الشهداء.
{ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً } أي: ذو خبر وعلم بأمورهم وأفعالهم "بصيراً" بتدبيرهم وسياستهم.
وروي أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من يشهد لك بأنك رسول الله فأنزل الله [عز وجل]: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } الآية.
ثم قال تعالى: { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ }.
أي: من يهده الله للإيمان فهو المهتدي للرشد والحق ومن يضلله عن الإيمان ولا يوفقه فلن تجد له يا محمد أولياء من دون الله [عز وجل] ينصرونه من عذاب الله [سبحانه].
{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ }.
أي: نجمعهم ليوم القيامة من بعد تفرقهم في قبورهم. { عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً }. أي: عمياً عن كل شيء يسرهم ولكنهم يرون، ودل على رؤيتهم قوله: { { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } [الكهف: 53].
قوله: "وبكماً" أي: بكماً عن الحجة فلا ينطقون بحجة ولكنهم يتكلمون ودل على كلامهم قوله: { { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [الفرقان: 13].
قوله: "وصماً" أي: صماً عن سماع ما يسرهم. وهم يسمعون ودل على سماعهم قوله: { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12].
وقيل: إنهم في حال حشرهم إلى الموقف عمي وبكم وصم. ثم يحدث الله [عز وجل] لهم سمعاً وبصراً ونطقاً في أحوال أخر.
وقوله: { عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } معناه: أنهم يحشرون صاغرين.
وقيل: بل معناه: أنهم يحشرون يمشون على وجوههم لأن الذي أمشاهم على أرجلهم يقدر أن يمشيهم على وجوههم، وعلى ما يشاء من أعضائهم.
ثم قال: { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ / كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }.
أي: مصيرهم إلى جهنم ومسكنهم جهنم وقال ابن عباس معناه: هم وقودها. ومعنى خبت: سكنت، قاله ابن عباس. وعنه أيضاً: كلما أحرقتهم يسعر لهم حطبها، فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئاً صارت جمراً تتوهج، فذلك خبوها، فإذا بدلوا خلقاً جديداً عاودتهم.
وقال مجاهد: "خبت" طفيت"، وقال قتادة: معناه كلما أحرقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب.
وأهل اللغة يقولون: خبت النار، تخبو خبوءاً إذا سكن لهبها، فإن سكن لهبها وعلا جمرها، قيل: كبت تكبو كبوءاً. فإن طفى بعض الجمر وسكن اللهب قيل خمدت تخمد خموداً. فإن طفيت لها قيل: همدت تهمد هموداً.
ومعنى: { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } أي: زدنا هؤلاء الكفار استعاراً بالنار في جلودهم.
وليس خبوتها فيه نقص من عذابها ولا راحة لهم وإنما هم في زيادة أبداً لقوله: { { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [فاطر: 36] لا يفتر عنهم.
وقال المبرد: جعل موضع خبوت نار جهنم استعاراً فهي مخالفة لما تفعل من نار الدنيا، ولا راحة لهم فيها إذا خبت بل يزيد عليهم العذاب.