التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٢٠
-الكهف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } إلى قوله: { إِذاً أَبَداً }.
أي فكما أرقدناهم على هذه الصفة، كذلك بعثناهم من رقدتهم { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } أي: ليسأل بعضهم بعضاً و [نعرفهم] عظيم قدرتنا فيهم فيزدادوا بصيرة في أمرهم وفي إيمانهم إذ لبثوا مدة عظيمة من الزمان وهم في هيئهم لم يتغيروا ولا تغيرت ثيابهم.
ثم قال: { قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ }.
أي: بعثناهم ليتساءلوا. فتساءلوا فقال: قائل منهم. كم لبثتم؟ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم. { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }.
وهذا يدل على أن الرعب منهم لمن رآهم لم يكن لطول شعورهم وأظفارهم، إذ لو كان كذلك لعاينوا من أنفسهم أمراً يمنعهم أن يقولوا لبثنا يوماً أو بعض يوم. فقال الآخرون: { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ويجوز أن يكون لما رأوا من طول شعورهم وأظفارهم ما أنكروا { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ردوا العلم إلى الله في ذلك [سبحانه].
قال ابن جبير: قال أحدهم: لبثنا يوماً، وقال الآخر: لبثنا نحوه، فقال كبيرهم: لا تختلفوا، فإن الاختلاف هلكة { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } يعنون مدينتهم التي خرجوا منها.
قال: ابن عباس: كانت ورقهم كأخفاف الرُّبع، وهو صغار الإبل، وقال: إنهم قاموا من رقدتهم جياعاً فلبثوا في طلب الطعام.
ومعنى: { أَزْكَىٰ طَعَاماً } عند عكرمة أكثر، وهو قول أبي عبيدة. وقال: ابن جبير: أحل ذبيحة، لأن القوم كانوا مجوساً. وعن ابن عباس { أَزْكَىٰ طَعَاماً } أطهر طعاماً. وقال: مقاتل: أزكى طعاماً "أطيب طعاماً. وقال: قتادة خير طعاماً وقيل: أرخص. وعن ابن عباس: ازكى طعاماً" أطهره لأنهم كانوا يذبحون الخنازير.
{ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي: بطعام { وَلْيَتَلَطَّفْ } أي: يرفق { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } أي: لا يعلمن بكم أحداً من الناس. { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } أي: إن أهل قريتكم الكفار أن يطلعوا عليكم { يَرْجُمُوكُمْ } أي: يقتلوكم { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } أي: يردوكم عن دينكم [إلى دينهم] { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } أي: لن تفلحوا أن رجعتم إلى دينهم وعبادة أوثانهم [أبداً].
قال وهب بن منبه: غبروا بعدما بني عليهم باب الكهف زماناً بعد زمان. ثم إن راعياً أدركه المطر عند الكهف فقال: لو فتحت هذا الكهف، وأدخلت غنمي من المطر. فلم يزل يعالجه حتى فتح ما دخل منه. ورد الله إليهم أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري لهم طعاماً، فلما أتى باب مدينتهم رأى شيئاً ينكره. حتى دخل [على رجل] فقال: يعني بهذه الدراهم طعاماً. فقال: من أين [لك] هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس وأتى الليل ثم أصبحوا فأرسلوني. فقال: هذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان، فأنى لك بها؟ فرفعه إلى الملك، وكان ملكاً صالحاً فقال: [من] أين لك هذا الورق؟ فقال: خرجت أنا وأصحاب لي / أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا. ثم أمروني أن أشتري لهم طعاماً. فقال: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف. قال: فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف فقال: دعوني أدخل إليهم قبلكم. فلما رأوه ودنا منهم ضرب على ءاذانهم فجعلوا كلما دخل رجل منهم أرعب. فلم يقدروا على أن يدخلوا إليهم فبنوا عندهم كنيسة واتخذوها مسجداً يصلون فيه.
وقال عكرمة: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، ورزقهم الله الإسلام فاعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف. فلبثوا دهراً طويلاً حتى أهلكت أمتهم. وجاءت أمة مسلمة وملكهم مسلم. فاختلفوا في الروح والجسد فقال قائل: يبعث الروح أما الجسد فتأكله الأرض فلا يكون شيئاً. فشق على ملكهم اختلافهم فانطلق فلبس المسوح، وجلس على الرماد، ثم دعا الله [عز وجل] فقال أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث لهم آية تبين لهم، فبعث الله [عز وجل] أصحاب الكهف. فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً. فدخل السوق فجعل ينكر الوجوه، ويعرف الطرق، ويرى الإيمان بالمدينة ظاهراً. فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلاً يشتري منه طعاماً فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها فقال له الفتى: أليس ملككم فلاناً؟ قالوا: لا ملكنا فلان، فلم يزل ذلك بينهما حتى دفعوه إلى الملك فسأله، فأخبره الفتى خبر أصحابه. فبعث في الناس فجمعهم، فقال: إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله عز وجل قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان، يعني: ملكهم الذي مضى. فقال الفتى: انطلقوا بي إلى أصحابي. فركب الملك وركب معه الناس حتى انتهوا إلى الكهف. فقال الفتى: دعوني أدخل إلى أصحابي. فلما أبصرهم ضرب على أذنه وآذانهم، فلما استبطؤوه دخل الملك ودخل الناس معه فإذا أجسادهم لا ينكرون منها شيئاً غير أنها لا أرواح فيها. فقال الملك: هذه آية: بعثها الله [عز وجل] لكم.
ورويَ في هذا أخبار طويلة ترجع إلى هذا المعنى.