تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه
قوله: { وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } إلى قوله { وَأَعَزُّ نَفَراً }.
وروي عن [ابن] عباس: أنهما أخوان ورثا مالاً فصار لكل واحد أربعة آلاف دينار. فأعطى أحدهما نصيبه للفقراء والمساكين واكتسب الآخر بنصيبه الأجنة والعبيد، فاحتاج المتصدق فتعرض لأخيه ليصله. فقال: [له] أخوه: ما فعل مالك؟ قال: قدمته بين يدي. قال: [له]: لكني اشتريت بمالي لنفسي ولولدي { { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } [الكهف: 36] الآية.
وقيل: "كانا رجلين من بني إسرائيل اشتركا في تجارة فربحا ستة آلاف دينار. فاقتسماها وتفرقا. ثم اجتمعا فقال: أحدهما لصاحبه: ما فعلت؟ قال: نكحت امرأة، أفضل نساء بني إسرائيل بألف دينار. فانطلق الآخر فأخرج ألفاً فقال: اللهم إن صاحبي نكح من يموت ويبلى بألف دينار. وأنا أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بهذه الألف، وتصدق بها ... القصة بطولها.
و [المعنى و] اضرب يا محمد لهؤلاء المشركين، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين أي بستانين من كرم { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } أي أظللنا البستانين بنخل حولهما. من قولهم حف القوم بفلان إذا حد قوابه.
وقيل: إن هذا مما سأل عنه اليهود مع قصة أهل الكهف وذي القرنين والروح، فأعلمنا الله [عز وجل] به وجعله مثلاً للكفار ولجميع المؤمنين.
وروي أن الرجلين هما أبناء فطر سويسِ ملك كان في بني إسرائيل توفي وترك ابنين أحدهما يسمى مليخا. وكان زاهداً في الدنيا وراغباً في الآخرة، فأنفق ماله في ذات الله [عز وجل] وكان الآخر يبني القصور، ويكسب الأجنة والعبيد، فزار الزاهد أخاه فوجد عليه حجاباً فلم يدخل إلا بعد إذن فسأله عن ماله. فقال: أنفقته في ذات الله، وقدمته بين يدي لأقدم عليه. وجئتك زائراً. فقال: له الغني { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } أي عبيداً. ثم كان من شأنهما ما قص الله علينا.
وقوله { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً }.
أي جعلنا وسط هذين البستانين زرعاً { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } أي: أطعم ثمرها { وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً } أي: لم تنقص من الأكل شيئاً { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } أي: بين أشجارهما. وفجرنا: سيلنا.
وأجاز النحويون في غير القرآن: آتتا أكلهما.
وأجاز الفراء كلتا الجنتين آتى أكله، رده على معنى كل. وفي حرف عبد الله / "كلا الجنتين اتى أكله".
ثم قال: { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ }.
أي: ذهب وفضة، قاله مجاهد وكذلك { { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [الكهف: 42] وقال: قتادة: هو المال الكثير من أنواع شتى. وقال: ابن عمر [وابن عباس]، ثمر: مال.
وقال: مجاهد: كل ما في القرآن من "ثُمر" بالضم فهو المال، وما كان "من ثَمر" بالفتح" فهي من الثمار.
وقال ابن زيد: الثمر هنا الأصل، وكذلك { { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ } [الكهف: 42] أي: بأصله.
وهو جمع ثمار، كحمار وحمر، وثمار جمع ثمرة، فأما من أسكن الميم فإنما أسكن استخفافاً. ومعناه كمعنى قراءة من ضم. فأما من فتح الميم والثاء، فإنه جعله جمع ثمرة كخشبة وخشب.
ثم قال: { فَقَالَ لِصَاحِبِهِ [وَهُوَ يُحَاوِرُهُ] } الآية.
أي قال: صاحب الجنتين لصاحبه، الذي لا مال له، وهو يخاطبه { أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } أي: أعز عشيرة ورهطاً.