التفاسير

< >
عرض

قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً
٧٨
أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً
٧٩
وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً
٨٠
فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً
٨١
-الكهف

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ } إلى قوله: { وَأَقْرَبَ رُحْماً }.
أي قال: الخضر لموسى في الثالثة: هذا الذي قلت لي، يعني قول موسى له:
{ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } [الكهف: 77]، مفرق بيني وبينك به { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } أي سأخبرك بما تؤول إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها ولم تقدر أنت على ترك المسألة.
قال: له الخضر: أما السفينة وما فعلت فيها فإنها كانت لقوم مساكين يعملون في البحر، فاردت أن أخرقها لئلا يمضوا بها فيأخذها منهم الملك الذي أمامهم غصباً. "وراء" هنا بمعنى أمام كما قال:
{ { مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ } [الجاثية: 10] أي من أمامهم. فإذا خلفوه أصلحوها بزفت فاستمتعوا بها، فذلك أصلح لهم من تركها سالمة.
وقيل معنى: "وراءهم" خلفهم على بابها. والمعنى أن الملك المغتصب خلفهم إذا رجعوا ليأخذ سفينتهم.
وقيل: اسم الملك المغتصب هدد بن بدد. وقيل: اسمه الجلندي بن المستكبر ابن الأرقم بن الأزد ملك غسان. كان يغصب الناس على سفنهم [إن] كانت صحيحة لا عيب فيها، فلما خرقها الخضر وعابها لم يعرض لها الملك الغاصب، ولم يضر بمن [كان] فيها بل نفع الخضر بفعله أصحابها إذ لو وصلوا بالسفينة صحيحة لغصبهم الملك إياها.
وقيل: إن السفينة إنما كانت في أيديهم يعملون فيها بالأجرة ولذلك سماهم مساكين.
وقيل: قوله { فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } [لا] يدل على ملكها لهم كما أن قول النبي صلى الله عليه وسلم
"من باع عبداً له وله مال فماله للبائع" لا يدل على أن العبد يملك.
وكذلك قوله تعالى:
{ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } [العنكبوت: 41] لا يدل على أنها تملك.
ثم قال: { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ } [أي فكان كافراً وأبواه مؤمنين] وكذلك هي في حرف أبي "وكان كافراً". وقرأ ابن عباس "فكان أبواه مؤمنين وكان كافراً". وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً" .
وقيل: كان فعالاً [للقبيح] مؤذياً للجيران فكان أبواه / يحلفان عنه أنه فعل، فيكذبان في ذلك.
وقيل كان الغلام فاجراً لصاً قطاعاً للطريق، وكان أبواه في عدد وشرف، فإذا أحدث الحدث نجا إليهما فمنعا منه. ويحلفان بالله ما فعل ويظنان أنه صادق في إنكاره، وقوله ما فعلت، فيحلفان كاذبان تصديقاً لولدهما.
ثم قال: { فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا }.
قيل هذا من كلام الخضر. وقيل هو من قول الله جل ذكره، فإذا كان من قول الله [عز وجل] فمعناه فعلمنا، كما يقال: طننت بمعنى علمت.
وقيل معناها فكرهنا، فالخشية من الله [سبحانه] الكراهة، ومن الادميين الخوف.
ومعنى { يُرْهِقَهُمَا } أي: يلحقهما، أي: يحملهما على الرهق وهو الجهل. وقيل معناه يكلفهما.
وقيل يغشيهما { طُغْيَاناً } وهو الاستكبار على الله [عز وجل] { وَكُفْراً } أي: وكفراً بالله [سبحانه].
ومن جعل { فَخَشِينَآ } من قول الله [عز وجل] كان "فأردنا" من قوله أيضاً، أي فأراد الله. ومن جعل { فَخَشِينَآ } من قول الخضر فإن "فأردنا" من قوله أيضاً.
ومعنى { خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً } اسلاماً. وقيل صلاحاً. قال: ابن جبير بدلاً منه جارية وقال: ابن عباس: بدلاً منه جارية] فولدت نبياً هدى الله به أمة من الأمم. وروي عنه أنه كان من ذريتهما سبعون نبياً.
وقال: ابن جريج: كانت أم الصبي يومئذٍ حبلى فبدل الله [عز وجل] لهما منه إن ولدت غلاماً مسلماً.
قال: قتادة: فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما. فليرض امرؤ بقضاء الله [عز وجل] فإن قضاء الله [سبحانه] للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب.
وقوله: { وَأَقْرَبَ رُحْماً }.
أي: أقرب رحمة بوالديه وأبرّ بهما من المقتول، قاله قتادة. وعنه أيضاً { وَأَقْرَبَ رُحْماً } أقرب خيراً.
وقال: ابن جريج: أقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول. وقيل: المعنى أقرب أن يرحما به. وقيل: الزكاة هنا الدين والرحم المودة.
والرحم مصدر رحم رحماً ورحمة. وقيل هو من الرحم والقرابة.