التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ
١٤
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية.
أصل "لَقُوا": "لقيُوا"، فألقيت حركة الياء على القاف، وحذفت الياء لسكونها وسكون الواو بعدها. [وهذه] صفة المنافقين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.
قوله: { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ }.
يعني أصحابهم، وقيل: رؤساؤهم في الكفر قال الله:
{ شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ } [الأنعام: 112] فسمى أهل الفسق من الإنس شياطين.
وقيل: الشياطين هنا الكهان.
وقيل: هم الكفار والمنافقون إذا لقوهم قالوا: { إِنَّا مَعَكُمْ } أي على دينكم.
و "إلى" بمعنى "مع"، كما قال:
{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ } [النساء: 2]، أي مع أموالكم.
وقيل: إلى على بابها.
[والعرب] تقول: "خلوت به"، و "خلوت إليه ومعه"، لكن الباء يجوز أن تدل على أن معنى "خلوت به" من السخرية و "إلى" لا تدل إلا على "خلوت إليه" في أمر ما. والآية ليست / على معنى السخرية، فلذلك لم يأت بالباء لما فيها من الإشكال إذ هي تحتمل معنى "إلى"، وتحتمل السخرية. وأيضاً فإن معنى "إلى" أنه على معنى: [وإذا صرفوا] إلى شياطينهم / قالوا: إنا معكم، أي على دينكم [فالجالب لِـ إلى"] الانصراف الذي دل عليه الكلام، والباء لا تدخل مع الانصراف الذي دل عليه الكلام، فلذلك أيضاً لم تدخل مع "خلوا".
وفي اشتقاق "شيطان" قولان:
- قيل: هو فعلان من "شيط" فلا ينصرف إذا سميت به في المعرفة للتعريف والزيادتين كعثمان، وينصرف في النكرة، وذلك المستعمل فيه في الكلام والقرآن. أعني النكرة على أنه واحد من جنسه كَسِرْحَان اسم واحد "الذِّئَاب".
- وقيل: هو (فَيْعَال) من الشطن وهو الحبل، فيكون معناه أنه ممتد في الشر، ومنه "بِئْر شَطُونٌ"، إذا كانت بعيدة الاستقاء. وهو عند القتبي فَيْعال "من شطن" أي بَعُدَ من الخير يقال: "شطنت داره"، أي بعدت.
فهو ينصرف على هذين القولين في المعرفة والنكرة. وتصغيره على القول الأول في المعرفة شيطان، ولا يجمع على شياطين إلا أن تجعله نكرة فيجمع على شياطين. "كسرحان، وسراحين، ووزنه فعالين على مذهب من جعله مِنْ "شَيَّطَ" ووزنه (فياعيل) على مذهب من جعله من "شطن" وتصغيره على القولين الآخرين "شييطين" في المعرفة والنكرة.
قوله: { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }.
أي نستهزئ بالمؤمنين في قولنا / لهم: "آمنا". وهمزة "مستهزئون" يجوز في تخفيفها وجهان: أحدهما: أن تجعلها بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة، وهو قول سيبويه.
والوجه الثاني: أن تجعلها بين الهمزة المضمومة والياء الساكنة لأجل انكسار ما قبلها وهو قول الأخفش. وحكى بدلها بياء مضمومة وليس بقياس.