قوله: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ }.
هو ذو القعدة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صده المشركون عام الحديبية في ذي القعدة وهو محرم بعمرة، وذلك في سنة ست / من هجرته، فرجع من الحديبية ونحر - ثَم - هديه وحلقوا وقصروا ثَم، وصالحهم في تلك السنة على أن يعود من العام المقبل، وهو سنة سبع من هجرته. فخرج النبي معتمراً في العام المقبل، وأخلى له المشركون مكة، فأتم عمرته، وأقام ثلاثة أيام، فقال الله له وللمسلمين: هذا الشهر الحرام الذي قضيتم فيه عمرتكم عِوَضٌ عن ذلك الشهر الذي صدكم فيه المشركون.
{ وَٱلْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }: بعضها قصاص لبعض؛ شهر حرام بشهر حرام.
وإنما جمع في قوله: { وَٱلْحُرُمَاتُ } وليس ثم الأشهر بدل من شهر لأنه أراد الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحرمة الحرم، فصارت حرمات / قضاء الوقوف بها / في عام سبع عوض من حرمات، صدوا عنها في عام ست.
وقال ابن عباس: "معناه: أن الله أطلق للمسلمين أن يقتصوا ممن اعتدى عليهم".
فتقديره: والحرمات منكم - إذا تعدي عليكم فيها - قصاص.
وكان الإنسان حراماً ضربُه وشتمه وجَرحُه وغير ذلك، فأبيح لهم القصاص.
قال: ثُمَّ نسخ ذلك، وصير الحكم إلى السلطان، فليس لأحد أن يقتص دون أن يرفع إلى السطان".
قوله: { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } الآية.
قال ابن عباس: "أمروا / في / أول الإسلام أن ينتقموا ممن آذاهم مثل ما صنع بهم، ثم نسخ ذلك، فرد الأمر إلى السلطان".
وقال أكثر أهل التفسير: "الآية في القتال: أي: فمن قاتلكم في الشهر الحرام فقاتلوه بدلالة ما قبله من الأمر بالقتال، والنهي عنه في المسجد الحرام، وهو نظير قوله: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ }. والآية منسوخة بالأمر بالقتال في الحرم وإن لم يبدأوا، بقوله: { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ }، وبقوله: { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً }.
وبهذه الآية ونظيرها أجاز الشافعي أن يأخذ الرجل من مال من خانه بقدر ما خانه من غير رأيه. وقاله أصحاب الرأي. ولم يجزه مالك.