التفاسير

< >
عرض

وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٠٣
-البقرة

تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه

قوله: { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ / فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }.
هذه الأيام هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، وهي أيام منى عند مالك.
وقال زيد بن أسلم: "المعلومات: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، والمعدودات: أيام التشريق".
وعن مجاهد وابن عباس: "المعلومات: العشر. والمعدودات: أيام التشريق".
وإنما سميت أيام التشريق لأن الناس يشرحون فيها اللحم ويقددونه، فالتشريق التشريح. فكأنها سميت أيام التشريح، فأمروا بالذكر فيها عند رمي الجمار وغيرها.
وقال النبي [عليه السلام] في أيام منى - وهي أيام التشريق -:
"هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ" .
والأيام المعلومات هي: يوم النحر، ويومان بعده. فيوم النحر معلوم، ويومان بعده معلومان معدودات، واليوم الثالث بعد يوم النحر معدود.
قوله: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ }.
أرخص الله تعالى أن ينفر الناس اليوم الثاني من الأيام المعدودات وأعلمهم أن من تأخر إلى اليوم الثالث أنه لا إثم عليه، أي لا حرج ولا ضيق في تركه الرخصة، ومن تعجّل فلا إثم عليه في تركه الاتمام إلى اليوم الثالث.
وروي عن ابن مسعود وابن عمر: "لا إثم عليه: أي قد غفر له، ومن تأخر قد غُفر له".
وقال / ابن عباس: "لا إثم عليه: أي رجع مغفوراً له"، وقال: "إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب، فكيف بالحج".
واستبعد جماعة تأويل من قال: "لا حرج عليه"، لأن من جلس إلى الثالث فقد أتى بالغاية، فليس يقال لمن أدى فرضه: "لا حرج عليك فيما صنعت".
وقيل: معناه: لا حرج عليك في تركك الرخصة.
ومن قال: "غفر له" معناه. فهو أبين وأحسن / وعليه [أكثر] الناس. وقال مجاهد: "معناه: لا إثم عليه إلى الحج القابل".
{ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ }.
أي لا حرج عليه إلى الحج القابل، أي مغفور له إلى ذلك الوقت. وقال أبو العالية: "معناه: غفر له ما تقدم"، وفي مصحف عبد الله: "لمن اتقى الله".
قال ابن عباس: "معناه: لا حرج عليه لمن اتّقى المعاصي فيما يستقبل، أي غفر له".
وقيل: معنى { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي: اتقى قتال الصيد في الحرم.
وقال ابن مسعود أيضاً: "{ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي: مغفور له إن اتّقى ما حرم عليه في الحج".
وروى أبو حازم عن أبي هريرة أن النبي [عليه السلام] قال:
"مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهِ" .
وروي أن عمر قال لما سمع الآية: "خرج القوم من ذنوبهم، وربّ الكعبة".
وعن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ / جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ. والعُمْرَةُ إِلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا" ومعنى اللام في { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ }: أي: هذا لمن اتّقى.
وقيل: المعنى: قلنا فلا إثم عليه لمن اتّقى. واللام متعلقة بالقول. وقال الأخفش: "ذلك لمن اتّقى".
وقيل: معنى: { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أي: لا يقل المتعجل للمتأخر: أنت آثم، ولا المتأخر للمتعجل: أنت آثم.